حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
لم نعتد في السنوات الماضية أن نتحدث عن قضايا الديون السيادية للمنطقة والدين العام للسلطنة كما هو حاصل اليوم، حيث كانت أسعار النفط تتجاوز الـ100 دولار للبرميل الواحد. وبالتالي لم تكن هناك أي من الصعوبات والتحديات في مواجهة بنود المصروفات السنوية للوزارات المدنية أو المصروفات الاستثمارية. واليوم بدون استثناء فإن جميع دول المنطقة دخلت في دوامة الديون السيادية نيتجة للأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة. كما أن الكثير منا لم يتح له المجال للاطلاع على أرقام الدين العام للسلطنة في السنوات الماضة إلا النزر اليسير، ولكن اليوم أصبح من الضروري الإفصاح والتعامل بالشفافية مع هذه المسائل ليكون المواطن والمجتمع على علم بما يجري على الساحة المحلية والعالمية من تطورات اقتصادية ومالية في ظل الوضع الراهن، بعدما تراجعت أسعار النفط العالمية إلى أقل من النصف منذ منتصف عام 2014 وحتى اليوم، الأمر الذي يؤدي إلى مضاعفة التحديات الاقتصادية والمالية، وخاصة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الدين العام الذي تضاعف عدة مرات في غضون السنوات الخمس الماضية. لقد قام مجلس الدولة مؤخرا بنشر أرقام الدين العام للسلطنة، وهذا أمر مستحسن بأن تقوم اللجنة الاقتصادية بالمجلس بتقديم مقترحها حول «إطار ومحددات مشروع قانون الدين العام»، وتنشر تلك الأرقام في الوسائل الإعلامية، الأمر الذي يخلق نوعا من الوعي العام والثقافة لدى المواطنين بضرورة الاتجاه نحو الادخار من الآن لكي لا يستمروا في الديون على المستوى الرسمي بل الشخصي أيضا.
العضو المكرم محمد بن عبدالله الحارثي رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس تقدم مؤخراً ببيان بهذا الصدد، مشيرا إلى أن قضية الدين العام تعد من أهم القضايا التي لها تأثير مباشر على اقتصاديات الدول، وعلى مستوى معيشة أبنائها، ومستقبل الأجيال الحالية والقادمة فيها، فيما تتّبع الحكومات العديد من الخطط والمناهج للحد من ارتفاع الدَّين العام وتقليل آثاره السلبية على الاقتصاد، وذلك عن طريق وضع الضوابط اللازمة في كل ما يتعلق بالدّين العام في تشريعات وقوانين خاصة به. كما أشار العضو أيضا إلى قيام اللجنة الاقتصادية، وفي إطار مرئياتها وملاحظتها حول مشروع الموازنة العامة للدولة في الأعوام الماضية، وفيما يتعلق بالآثار المترتبة على تراجع التصنيف الائتماني السيادي للسلطنة، بتقديم التوصيات التي وردت في هذا الشأن وبالإجراءات الاحترازية التي تضمنها المشروع، مطالبا إصدار قانون الدين العام، وإجراء التعديلات المناسبة على القانون المالي ليتضمن قواعد وإجراءات محدثة عن المسؤولية المالية، وتحديد أوجه التنسيق المطلوبة بين السياسات المالية والسياسات النقدية بين وزارة المالية والبنك المركزي العماني والجهات ذات الصلة.
ونقف هنا عند بعض الأرقام التي أوردها رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس عن الدين العام مشيرا إلى أنه سجل صعودًا مستمرًا في السنوات الست الأخيرة، إذ تُشير البيانات الصادرة بهذا الخصوص إلى أن الدين العام للسلطنة بلغ في عام 2013 نحو 1.48 مليار ريال عماني ثم ارتفع إلى 3.44 مليار ريال عماني في عام 2015، وواصل ارتفاعه ليصل إلى 7.99 مليار ريال عماني عام 2016 ثم إلى 13.4 مليار ريال عماني في عام 2018، ليبلغ حاليا نحو 15.8 مليار ريال عماني، الأمر الذي يعني بأنه خلال هذه السنوات ارتفع الدَّين العام للسلطنة بنحو 1480%. ويرى المسؤول بأن نسبة ارتفاع الدين اليوم تعتبر هائلة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالسنوات الماضية إذ شكل الدَّين العام للسلطنة نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013م ثم ارتفع إلى نحو 13% عام 2015 ثم إلى 39% عام 2017 وواصل ارتفاعه في عام 2018 مسجلا قفزة وصلت إلى ما نسبته 45%، واستمر الارتفاع ليسجل حوالي 51% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة في عام 2019م، أي أن هذه النسبة تجاوزت النصف تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي.
فما هو الدين العام او الدين السيادي Government debt؟؟. وفقا للمصادر فإنه يمكن تعريف الدين العام على أن حجم ديون الدولة للمقرضين خارج وداخل الدولة نفسها، ويمكن أن يكون هؤلاء المقرضون إما أفراداً أو شركات وحتى حكومات أخرى. فالدين العام هو الأموال التي تقترضها الحكومات من المؤسسات أو من الأفراد (في حالة وجود ادخارات كبيرة لديهم) لمواجهة أحوال طارئة بغرض تحقيق أهداف لتعزيز بند الإيرادات العامة للحكومة أو لتغطية النفقات العامة أو لتمويل مشروعات التنمية أو لمواجهة النفقات الجارية العادية. وغالبا ما تتم هذه العمليات من خلال إصدار سندات موجهة نحو المستثمرين المحليين أو للاجانب بعملات محلية أو دولية مثل الدولار أو اليورو أو من خلال الاقتراض من الصناديق الإقليمية أو الدولية.
ما يتعلق بالوضع المالي للسلطنة، فرغم التفاؤل الذي صاحب البيان المالي لموازنة السلطنة للعام الحالي 2019 فيما يتعلق بمعدل نمو الناتج المحلي إلى 3%، إلا أن التقرير الصادر عن البنك الدولي لشهر يونيو الماضي يشير إلى أنه من المتوقع أن يتراجع معدل نمو الناتج بالسلطنة إلى 1.2% خلال هذا العام مقارنة بـ 2.1% في عام 2018. كما أنه وفق تقرير «آفاق الاقتصاد العالمي» لمنطقة الشرق الأوسط، الصادر عن صندوق النقد الدولي في شهر أبريل من العام الحالي، فإن سعر النفط المحقق لتعادل المالية العامة بالسلطنة ينبغي أن يكون عند 90 دولاراً للبرميل، فيما تترواح أسعار النفط بالسوق الدولية اليوم ما بين 60 – 70 دولاراً للبرميل في أحسن التقديرات، ولا يتوقع أن تشهد الأسعار تحسنًا يجعلها تتخطى سقف الـ 70 دولاراً للبرميل. وهذا الأمر بلا شك يسبب معضلة مالية لعدد من الدول المنتجة للنفط ومنها السلطنة في ظل عدم تمكن القطاعات غير النفطية من النمو بصورة كبيرة، الأمر الذي يتطلب من المجتمع العماني الاستمرار في إنماء القطاعات غير النفطية وتعزيز العلاقات التجارية مع العالم للاستفادة من تجاربهم في تنمية تلك القطاعات.
اليوم نحتاج إلى تبني سياسات تعزز من تصنيفنا المالي على مستوى المؤسسات المالية الدولية، وذلك من خلال تنمية القطاعات الاقتصادية التي تم تبنيها لتحقيق سياسات التنويع الاقتصادي، الأمر الذي سوف يساعد على تعزيز مرتبة الاستثمار وتصحيح الأوضاع المالية للبلاد. وهذا الأمر يتطلب أيضا مكافحة الفساد الإداري والمالي في المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية وضرورة العمل بسياسات الترشيد والإنفاق، مع الاستغناء عن تنفيذ بعض البنود غير الضرورية، بجانب استغلال الكوادر العمانية في جميع قطاعات العمل والمجالات الإنتاجية المتاحة، وإجراء إصلاحات هيكلية في النشاط الاقتصادي، وإفساح المجال للقطاع الخاص للمساهمة في النشاط الاقتصادي ليتمكن من توفير فرص عمل، مع العمل على محاربة البيروقراطية في المؤسسات الحكومية التي تؤدي إلى نفور الاستثمارات المحلية والأجنبية.
أما بالنسبة للدين العام فإن السلطنة قد لا تجد مشكلة في الحصول على احتياجاتها المالية من سوق السندات الدولية في حال قررت اللجوء إلى هذا الاختيار، فهي كبقية معظم حكومات العالم حريصة على سداد التزاماتها نحو ديونها السيادية في الوقت المناسب، وذلك حرصا منها على الحفاظ على تصنيفها الائتماني في سوق الاقتراض من التدهور، ولكن المشكلة تبقى في التكلفة العالية لمثل هذه الديون أحيانا في وقت ما زالت أسعار النفط لم تصل إلى 70 دولارا اليوم، ووجود عجز في الموازنة الحالية. ولكن في جميع الحالات فإن السلطنة ملتزمة بدفع ديونها الخارجية في الوقت المناسب وبقدر كبير من الثقة.