حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
تستعد المملكة العربية السعودية العام المقبل لاستضافة أعمال قمة دول مجموعة العشرين التي أنهت أعمالها بمدينة أوساكا مؤخرا بمشاركة قادة 37 دولة ومنظمة عالمية. وقد صدر عن القمة بيان أكد فيه القادة المجتمعون برئاسة معالي شينزو آبي رئيس وزراء اليابان – رئيس الدورة المنتهية للمجموعة على أهمية تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، والتصميم على تحسين الفرص لدول المجموعة وخارجها من خلال العمل الجماعي على توفير البيئة المناسبة لتحقيق النمو الاقتصادي، فيما لفت المسؤول الياباني إلى حرص بلاده خلال فترة رئاستها لهذه القمة على اكتشاف القواسم المشتركة بين الدول الأعضاء والتركيز على كل ما يجمع بين دول مجموعة العشرين.
القمة الأخيرة انطلقت في مدينة أوساكا التي تعتبر واحدة من كبريات المدن التجارية والصناعية اليابانية ليست على مستوى هذه الدولة فحسب، بل على المستوى العالمي. وقد اتسمت هذه القمة بجو من الانسجام وبمهادنة لافتة من الرؤساء المشاركين. فيما أكد البيان الختامي للقمة سعي الدول الأعضاء في المجموعة إلى تسخير قوة الابتكار التقني، والتقنية الرقمية بشكل خاص وتطبيقها لصالح جميع الدول، الأمر الذي سوف يعمل على تعزيز النمو الاقتصادي، ومواجهة تحديات التغيير السكاني في العالم على النحو المتوخى منه في خطة التنمية المستدامة لعام 2030. كما يرى القادة ضرورة الالتزام على استخدام جميع أدوات السياسة لتحقيق النمو المستدام والمتوازن والشامل، والحماية من المخاطر السلبية من خلال زيادة الحوار والإجراءات بين الدول بهدف تعزيز الثقة، وبالتالي تحقيق بيئة تجارة واستثمار حرة ونزيهة وشفافة وقابلة للتنبؤ بها ومستقرة، مع ضرورة إبقاء الأسواق العالمية مفتوحة لتعزيز التجارة الدولية والاستثمار، وكذلك رفع وسائل الإنتاجية والابتكار لإيجاد مزيد من فرص العمل والتنمية.
القمة الأخيرة لمجموعة العشرين حرصت أيضا على تجديد الدعوة لدعم الإصلاحات الضرورية لمنظمة التجارة العالمية وتحسين مهامها من خلال العمل بشكل بناء مع الأعضاء خلال الفترة التي تسبق المؤتمر الوزاري الثاني عشر لمنظمة التجارة العالمية، وكذلك العمل على تحقيق مجتمع شامل ومستدام وآمن وجدير بالثقة ومبتكر من خلال العمل بوسائل الرقمنة والتحول الرقمي وتعزيز تطبيق التقنية الناشئة، ومشاركة فكرة مجتمع المستقبل الذي يركز على الإنسان، الذي يتم الترويج له من قبل اليابان باسم المجتمع 5.0، الأمل الذي من المحتم تحقيق الجوانب الاقتصادية للمجتمعات، وتعزيز التنمية والرفاه الاجتماعي في الدول، مع العمل على مجابهة القضايا والتحديات البيئية العالمية المتمثلة في قضايا النزوح والهجرة والبيئة والطاقة والصحة العالمية، بالإضافة إلى تطوير العمل بقطاعات الزراعة والسياحة وتمكين المرأة العمل والتوظيف، ولمكافحة الفساد والتمويل العالمي، وجودة البنية التحتية للاستثمار والابتكار وتدفق البيانات المجانية والتجارة والاستثمار والاقتصاد العالمي.
ومن أهم نتائج هذه القمة هو الاتفاق الذي تم بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ على استئناف المفاوضات التجارية من خلال لقاء وصفه الرئيس الأمريكي بلقاء ممتاز، حيث وافقت واشنطن على وقف تهديدها بفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الصينية بعد أن استهدفت في الأشهر الماضية سلعا ومنتجات صينية تزيد قيمتها عن 500 مليار دولار تصدرها الصين إلى أمريكا سنويا، مع تأكيد الرئيس الأمريكي عن عدم نيته في زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية ولا إلغائها «على الأقلّ في الوقت الراهن»، والسماح لشركة هواوي الصينية بالتعامل مع المؤسسات والشركات الأمريكية، ورفع اسمها من قائمة الشركات التي يحظر عليها شراء تلك المكونات من الصين. ورغم هذه الإيجابية فإن المجتمعين ونتيجة للتعنت الأمريكي تجاه قضايا البيئة، فإنه لم يتمكنوا من تحقيق تقدم حقيقي حول الملفات الخلافية ومن ضمنها المناخ، حيث بحثت القمة هذا الملف الذي ما زال يشكّل توتر متكرر في اجتماعات مجموعة العشرين باعتباره من الملفات «الأكثر صعوبة» منذ انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق المناخي الموقع في باريس.
وخلال القمة العشرين قرر اليابانيون والأمريكيون من جهتهم تسريع محادثاتهم التجارية خصوصا حول قضايا تتعلق بالزراعة والسيارات. كما أعربت أمريكا عن رغبتها في التوصل إلى تفاهم مع الهند، فيما كان هناك حرص من الجميع على تسوية الخلافات التجارية مع جميع الدول، بالإضافة إلى حل مسألة التوترات بين أمريكا وإيران لوقف أي سبب أو مخاوف من نشوب صراع عسكري في منطقة حساسة يتدفق منها الطاقة إلى العالم وإلى عدد من دول المجموعة وعلى رأسها الصين واليابان وإندونيسيا والهند وغيرها.
ورغم المساعي التي بذلت لحلحلة القضايا العالمية، إلا أن الاجتماعات اتسمت بوجود اختلافات عميقة بين قادة دول وحكومات حول مفهوم السلطة السياسية بين كل من روسيا والمجموعة الأوروبية فيما يتعلق بقضايا الأفكار التقدمية «الليبرالية» للديمقراطيات الغربية، وملف الهجرة غير النظامية، وزعزعة الاستقرار بين الدول والنزاعات المسلحة القائمة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
مجموعة الـ 20 هو منتدى اقتصادي تم تأسيسه عام 1999 نتيجة للأزمات المالية التي تعرض لها العالم في التسعينيات. ويمثل هذا المنتدى ثلثي التجارة في العالم، كما يمثل أكثر من 90 % من الناتج العالمي الخام. وتهدف هذه المجموعة إلى الجمع الممنهج في قضايا تجارية وصناعية متقدمة. كما تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي الدولي وإيجاد فرص للحوار ما بين البلدان الصناعية والبلدان الناشئة. ويمثّل الأعضاء الحاليين للمجموعة نحو 65% من سكان العالم وتضم كلا من دولة الأرجنتين، وأستراليا، البرازيل، كندا، الصين، فرنسا، ألمانيا، الهند، إندونيسيا، إيطاليا، اليابان، المكسيك، جمهورية كوريا، جمهورية جنوب إفريقيا، روسيا، المملكة العربية السعودية، تركيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة أمريكا. كما يحضر هذه الاجتماعات ممثلو المنظمات الدولية المدعوة إلى جانب قادة من مجموعة العشرين.
وفي القمة الأخيرة بأوساكا وجهت الدعوة لعدد من الدول الأخرى من بينها مصر لحضور هذه القمة نظرا لارتباط تلك الدول بالقضايا المدرجة في جدول أعمال الاجتماع وللمساهمات التي قدموها لهذه القمة قبل بدئها، حيث نوقشت العديد من الأزمات التي تهم الاقتصاد العالمي والقضايا التكنولوجية بالدول النامية، بالإضافة إلى مشكلات البنية التحتية التي تعيق نقل التكنولوجيا للدول النامية، وكيفية زيادة جذب الاستثمارات العالمية إليها خلال المرحلة المقبلة.
بعض دول مجموعة العشرين التي تعتبر الأكثر تقدما في العالم، أقامت خلال الفترة الماضية نحو 20 حاجزا تجاريا جديدا، حيث تقدّر قيمة مليارات من الدولارات، الأمر الذي يخلق تحديات جديدة أمام منظمة التجارة العالمية، ويؤدي إلى تفاقم التحديات وعدم الثقة في بيئة الاقتصاد العالمي، وتباطؤ نمو التجارة العالمية.
لقد جاءت هذه القمة في وقت اتسمت بالسخونة العالمية نتيجة للتوترات الدولية، التي شهدت التصعيد بين طهران وواشنطن في مضيق هرمز، وانعكاسات ذلك على سوق النفط العالمي وعلى إمدادات الخام العالمية. كما كانت الحرب التجارية المشتعلة بين الصين والولايات المتحدة تلقي بظلالها على أجندة القمة نظرا لتداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي، ووسط توتر عالمي ارتبط خصوصا بنزاع بين الدولتين حول الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية، حيث حذر صندوق النقد الدولي من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بسبب هذه المواجهة.
لقد كانت هناك مناشدات عدة من العالم لقادة مجموعة العشرين وعلى رأسها منظمة أوكسفام الخيرية التي طالبت المجتمعين بضرورة اتخاذ مزيد من الإجراءات للتصدي لعدم المساواة الاجتماعية في العالم. فاليوم نجد أن 1% من سكان العالم يمتلكون نصف ثروات العالم تقريبا، الأمر الذي جعل المنظمة تؤكد على أن عدم المساواة الشديدة يمثّل أرضا خصبة للعنف وللتيارات الدكتاتورية. كما أشارت المنظمة في بيانها الى أن الشركات العالمية تدفع حاليا ضرائب أقل كثيرا مما كانت تدفعه قبل الأزمة المالية العالمية في 2008، وتجني 40% من أرباحها الخارجية في ملاذات ضريبية، في الوقت الذي ما زالت الشعوب في بعض أجزاء العالم من غياب الحريات والفقر والبطالة ومشاكل صحية واجتماعية عديدة.