د. حيدر اللواتي – لوسيل
في الدراسة التي أعددتها للحصول على الدرجة العلمية «الدكتوراه» بعنوان (سياسات وتوجهات الادخار لدى المجتمع العماني)، وفيما يتعلق بمحور «الادخار من أجل التعليم الجامعي للأبناء» فقد تبيّن من الأجوبة التي وردت من المفحوصين أن الأغلبية منهم وبنسبة تزيد عن 92% منهم يرون أن إدخارهم المالي يهدف إلى تعليم أبنائهم في أرقى الجامعات في المستقبل وفق ما وردت اجوبتهم في الاستبيان المخصص لذلك الغرض ألا وهو «الادخار من أجل التعليم».
وتفسير ذلك مرده إلى أن الناس يبدون اهتماما كبيرا لتعليم ابنائهم في المدارس والكليات والجامعات المعتبرة داخل البلاد وخارجها، الأمر الذي يؤدي إلى فتح المزيد من المؤسسات التعليمية العامة والخاصة كل عام. فقد بات العديد منهم مقتنعا بضرورة الاتجاه نحو ادخار ولو بجزء من دخلهم الشهري للمستقبل لمواجهة مختلف متطلبات وأعباء الحياة التي تهم أبناءهم في المستقبل ومنها التعليم.
وهذا الاهتمام نحو الادخار يأتي لمواجهة متطلبات الحياة في ظل ارتفاع مستويات المعيشة وغلاء مصروفات الحياة ومنها مصروفات التعليم ومتطلباته وخاصة التعليم الخاص. فالاستثمار في هذا المجال استثمار حقيقي وله العديد من الايجابيات المستقبلية للأسرة والابناء. وقد أصبح هذا الأمر يتسارع في المجتمع الخليجي الذي انتشر فيه العديد من الحضانات والمدارس والكليات والجامعات الخاصة بجانب المؤسسات التعليمية الحكومية وعلى مختلف المستويات والتي تقدّم التعليم المجاني من الروضة وحتى الجامعي. والاسرة في هذا الشأن تتبع عدة طرق للادخار من اجل التعليم منها الحسابات البنكية المخصصة، حيث يقوم الوالدان بتحويل بعض مبالغهم الشهرية من الحسابات الجارية الى حسابات الادخار المخصصة للتعليم، أو من خلال الدخول في الجمعيات الأهلية أو برامج التأمين التي تكفل لهم التعليم الجامعي لاحقا، مع العمل في الوقت نفسه على تعويد أبنائهم بفكرة الادخار، والتوضيح لهم بسلبيات الترف والتبذير والابتعاد عن اقتناء الكماليات الزائدة، بجانب تعليم أطفالهم مهارات الإدارة المالية، والاعتدال في قيمة المصروف الذي يمنح لهم بحيث لا يكون زائداً عن الحد، ولا قليلاً، بحيث يحتاج الطفل إلى عون الاخرين بل يكون كافياً لتغطية احتياجات الطفل اليومية.
أما الذين لم يوافقوا على الادخار المالي من أجل التعليم فقد بلغت نسبتهم في حدود أقل من 8%، وهؤلاء يعلمون جيداً بأن الحكومات في المنطقة توفر بنودا مالية سنوية وكثيرا من الأموال لتعليم المواطنين في المدارس والكليات والجامعات الحكومية والخاصة في مختلف المحافظات العمانية، وتمكين الجميع من إدخال أبنائهم في هذه المؤسسات لمواصلة الدراسات الاكاديمية والعليا، الأمر الذي يقلل من التوجه للادخار من أجل تعليم الأبناء في مختلف المراحل الدراسية لدى تلك الفئة بسبب ازدياد أعداد المؤسسات التعليمية الحكومية في جميع المراحل.
وعموما تعد قضية «الإدخار» اليوم واحدة من أهم القضايا التي تتركز عليها الأنشطة الأسرية لأفراد المجتمع، وتعد وسيلة مهمة لتحقيق التنمية في الدول أيضا. وهو من المواضيع التي نادت به الأديان ومختلف المذاهب والشرائع من بينها الدين الإسلامي. وهذا ما تركز عليها الدول والحكومات اليوم، وتنادي بها المنظمات الدولية بضرورة توجيه أفراد المجتمعات نحو الإدخار باعتباره إحدى القنوات الهامة للصرف على القضايا التنموية في المجتمع انطلاقا من القول المعروف «القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود».