حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
في الدراسة التي أعددتها للحصول على الدرجة العلمية «الدكتوارة» بعنوان (سياسات وتوجهات الادخار لدى المجتمع العماني)، وفيما يتعلق بمحور «الادخار من أجل التعليم الجامعي للأبناء» فقد تبيّن من الأجوبة التي وردت من المفحوصين لأبناء محافظة مسقط، أن الأغلبية منهم وبنسبة تزيد عن 92% منهم يرون أن ادخارهم المالي يهدف إلى تعليم أبنائهم في أرقى الجامعات في المستقبل، حيث أفاد 52.7% بموافق بشدة و39.6% بـ موافق على السؤال الذي ورد إليهم في
الاستبيان المخصص لذلك الغرض ألا وهو «الادخار من أجل التعليم».
وتفسير ذلك مرده إلى أن العمانيين يبدون اهتماما كبيرا لتعليم أبنائهم في المدارس والكليات والجامعات المعتبرة داخل وخارج البلاد، الأمر الذي يؤدي إلى فتح المزيد من المؤسسات التعليمية العامة والخاصة كل عام. ومن هنا نرى أن الادخار لدى هؤلاء الأشخاص هو من أجل التعليم وقد أصبح أسلوب حياة وثقافة سائدة في المجتمع لديهم، خاصة أن العديد من المواطنين أصبح مقتنعا بضرورة الاتجاه نحو ادخار ولو بجزء من دخلهم الشهري للمستقبل لمواجهة مختلف متطلبات وأعباء الحياة التي تهم أبناءهم في المستقبل ومنها التعليم، انطلاقا من المَثل المعروف (القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود) والابتعاد عن المثل الذي يقول: (اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب).
وهذا الاهتمام نحو الادخار يأتي لمواجهة متطلبات الحياة في ظل ارتفاع مستويات المعيشة وغلاء مصروفات الحياة ومنها مصروفات التعليم ومتطلباته وخاصة التعليم الخاص. فالاستثمار في هذا المجال استثمار حقيقي له العديد من الإيجابيات المستقبلية للأسرة والأبناء. وقد أصبح هذا الأمر يتسارع في المجتمع العماني الذي انتشر فيه العديد من الحضانات والمدارس والكليات والجامعات الخاصة بجانب المؤسسات التعليمية الحكومية وعلى مختلف المستويات والتي تقدّم التعليم المجاني من الروضة وحتى الجامعي.
ويتبع العمانيون عدة طرق للادخار من أجل التعليم منها الحسابات البنكية المخصصة لهذا النوع من التعليم، حيث يقومون بتحويل بعض مبالغهم الشهرية من الحسابات الجارية إلى حسابات الادخار لأبنائهم وذلك باقتطاع مبلغ معين يتم ادخاره من أجل التعليم أو لأي ظرف آخر، أو من خلال الدخول في الجمعيات الأهلية أو برامج التأمين التي تكفل لهم التعليم الجامعي لاحقا، مع العمل في الوقت نفسه على تعويد أبنائهم على فكرة الادخار، وتوضيحهم سلبيات الترف والتبذير والابتعاد عن اقتناء الكماليات الزائدة، بجانب تعليم أطفالهم مهارات الإدارة المالية، والاعتدال في قيمة المصروف الذي يمنح لهم بحيث لا يكون زائداً عن الحد، ولا قليلاً بحيث يحتاج الطفل إلى عون الآخرين بل يكون كافياً لتغطية احتياجات الطفل اليومية. لذا فإن الأغلبية منهم وبنسبة تزيد عن 92% منهم ترى أن ادخارهم المالي هو من أجل تعليم أبنائهم في أرقى الجامعات في المستقبل.
أما غير الموافقين على أن ادخارهم المالي من أجل التعليم فقد بلغت نسبتهم في حدود أقل من 8% وبواقع 5.8% و1.9% على التوالي والذين أجابوا بـ (غير موافق، وغير موافق بشدة) على المحور الذي تناول قضية الادخار من أجل التعليم. فهؤلاء ربما تقل رواتبهم الشهرية من أجل أن يتجهوا للادخار من أجل تعليم الأبناء، مع علمهم بأن الحكومة توفر بنودا مالية سنوية وكثيرا من الأموال لتعليم المواطنين في المدارس والكليات والجامعات الحكومية والخاصة في مختلف المحافظات العمانية، وتمكين جميع المواطنين من إدخال أبنائهم في هذه المؤسسات لمواصلة الدراسات الأكاديمية والعليا، الأمر الذي يقلل من التوجه للادخار من أجل تعليم الأبناء في مختلف المراحل الدراسية لدى تلك الفئة بسبب ازدياد أعداد المؤسسات التعليمية الحكومية في جميع المراحل. فوزارة التربية والتعليم تتولى إدارة التعليم المدرسي لجميع المراحل الدراسية للصفوف من الأول إلى الثاني عشر، بجانب تطوير سياسات التعليم، وتقديم الدعم الفني والإداري للهيئات التدريسية والإدارية والفنية في كافة المحافظات.
ووفقا للبيانات الرسمية فقد بلغ عدد المدارس بحلول العام الدراسي (2019/2018م)، نحو (1124) مدرسة، يدرس بها (579024) طالباً وطالبة، ويعمل بها (56385) معلماً ومعلمة بجانب وجود مئات المدارس الخاصة ومدارس الجاليات الأجنبية. وتؤكد المؤشرات الإحصائية أن السلطنة قد حققت ما يزيد على (98%) من نسب الالتحاق، بجانب تحقيق المساواة بين الجنسين في التعليم المدرسي والتوسع في برامج الرعاية التربية، والتربية الخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة وتحسينها، وغيرها من المدارس الأخرى. وتدرك الجهات المعنية أنه من أجل تلبية التطلعات والأهداف التعليمية، فهي تحتاج إلى تحقيق الجودة في التعليم للجميع لإحداث التحول التام في العملية التعليمية وعلى نطاق واسع النطاق لتحسين القدرات والإمكانات، في ظل نظام التعليم المدرسي. ومن هذا المنطلق توجهت الوزارة المعنية بإنشاء المركز الوطني للتوجيه المهني في عام (2008م) لتجويد الخدمات التربوية والتعليمية المقدمة للطلبة، ومن ثم المركز العُماني للقياس والتقويم من أجل إيجاد أدوات قياس وتقويم عالية الجودة لتقييم أداء النظام التعليمي بشكل عام ومخرجات التعليم المدرسي بشكل خاص، بالإضافة إلى تطوير المستوى التحصيلي للطلبة من خلال توفير مؤشرات صادقة عن الأداء الحقيقي لتعلم الطلبة، والمركز التخصصي للتدريب المهني للمعلمين للارتقاء بالمعلم وصقل مهاراته وقياس أدائه، من خلال تنفيذ عدد من البرامج التخصصية.
وعموما تعد قضية «الادخار» اليوم واحدة من أهم القضايا التي تتركز عليها الأنشطة الأسرية لأفراد المجتمع، وتعد وسيلة مهمة لتحقيق التنمية في الدول أيضا. وهو من الموضوعات التي نادت بها الأديان ومختلف المذاهب والشرائع من بينها الدين الإسلامي. وهذا ما تركز عليه الدول والحكومات اليوم، وتنادي به المنظمات الدولية بضرورة توجيه أفراد المجتمعات نحو الادخار باعتباره إحدى القنوات المهمة للصرف على القضايا التنموية في المجتمع. وتعتبر عملية «الإدخار» ظاهرة قديمة قدم إدراك الإنسان لضرورة جمع بعض الأموال في وقت الغناء والرخاء، والاستعانة والاستفادة منها في وقت الشدة والعوز والمحن. وتبدأ عملية الادخار من خلال قيام فرد بوضع مبلغ معين في صندوق خاص بصورة يومية، أو من خلال إيداعه لمبلغ شهري في البيت أو في أحد المصارف، بحيث يستطيع بعد عدة أشهر أو سنوات استغلال هذا المبلغ المدخر في أمر أو موضع هو بحاجة إليه أو أحد من أفراد أسرته، أي أن يقوم الشخص بالاحتفاظ بجزء من الكسب لوقت الحاجة إليه في المستقبل ليكون له صمام الأمان، ويحميه وأفراد أسرته من الأزمات الطارئة، بجانب تكوين رصيد له يصلح الاستفادة منه سواء في البدء بممارسة عمل تجاري، أو صرفه على أعباء وتعليم الأبناء في المستقبل، أو تغطية بعض مصاريف زواجهم، أو الاستفادة منه في القيام برحلات دينية أو ترفيهية سواء للأماكن المقدسة كأداء فريضة الحج مثلا لدى المسلمين، أو بغرض السياحة، أو الاستعانة بتلك الادخارات عند كبر سنه وشيخوخته في أغراض الصحة والمشافي.
كما أن موضوع الادخار يتطلب زيادة التوعية وثقافة أفراد المجتمع عامة والأسر بصفة خاصة، بحيث يمكن تحقيقه من خلال العمل به بعدة اعتبارات، منها وضع أسس للميزانية الشهرية للأسرة تجاه المصروفات والنفقات الضرورية، وفي الوقت نفسه العمل على التقليل من الكماليات التي من الممكن أن تمضي الحياة بدونها. ويتطلب من رب البيت سواء الرجل أو المرأة بتبني ثقافة الادخار وتلقينها للأبناء في مرحلة مبكرة، وتعليمهم بضرورة مراعاة الحد الأدنى من الجانب الاستهلاكي في حياة الأسرة، والعمل على التقليل قدر الإمكان من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها.