محمد بن رضا اللواتي
ما كُنَّا سبق وأن لاحظنا على زميلنا في العمل هذا الذهول والحيرة وعدم الاستقرار، فلقد كان يخرج من المكتب مستأذنًا ثم وبعد ساعات يعود ويظل شارد البال طويلاً على مكتبه ولعدة أيام. وكلما سألناه عن سبب هذه الحالة التي نراه فيها اكتفى بالنظر في وجوهنا بابتسامة شبه مكسورة وهو يقول “الأمور طيبة”.
المؤسف أنَّ الأمور لم تكن طيبة بتاتاً. فقد أتى بعد أيام ليُبادرنا بسؤال حول ما إذا كنَّا نعرف طبيباً أو إدارياً أو مسؤولاً في “مستشفى خولة” وذلك لأجل موضوع يتعلَّق بصحة ابنته التي ترقد في المشفى منذ أيام وسيتم إخلاء سريرها اليوم لتعود إلى المنزل.
ما القصة؟
“شهد” الصغيرة مُصابة في عمودها الفقري بالتهاب، ولابد لها من صورة بالرنين المغناطسي حتى يتمكن الأطباء من معرفة نوع الالتهاب بدقة وبالتالي مُعالجته. وطوال تلك الأيام كانت ترقد في المشفى دون علاج حقيقي وذلك لأجل انتظار صورة لعمودها الفقري.
ولماذا لا يتم تصوير العمود الفقري للطفلة رغم أنَّ الطبيب المعالج كتب طلباً مستعجلا يطلب فيه من القسم المختص تصوير المنطقة المصابة؟
سوف يتم .. ولكن بعد سنة!
نعم سنة كاملة على الصغيرة الانتظار لأنَّ المرضى الذين هم في حاجة ماسة أيضًا لذات الفحص قائمتهم طويلة! ليس بوسعهم إبقائها في المشفى طوال تلك الفترة، فلترحل الآن على أن تعود ريثما يحين موعد الرنين ذاك!
ولكن، أليست مصابة بالتهاب وتتلوى ألمًا، وقد شخصت حالتها بأنها مستعجلة؟
بلى..ولكن مئات غيرها أيضًا في حالات مشابهة ينتظرون الدور!
هل هذا معقول؟ الإجابة: جزماً نعم!
لسبب لا يعلمه إلا الله وحده، ليس لدينا مشفى غير “خولة” للعظام والكسور، والتي تستقبل الحالات الحرجة من شتى مناطق السلطنة، فإذا كان خيار بناء مشفى آخر غير مُتاح، فهل زيادة عدد غرف التصوير بالرنين المغناطيسي أيضًا خيار غير متاح؟
لعل الذي يجعل من قرار زيادة الأجهزة لا يحظى بالأهمية الكبيرة هو أنَّ هذه الخدمة متوفرة في سوق العلاج، فليس على المواطن إلا أن يخطو خطوة واحدة فقط خارج “مستشفى خولة” ليجد العديد من المرافق الصحية الخاصة توفر له ما يُريد، فلا داعي إذن لصرف مبالغ في توفير جهاز ثانٍ أو ثالث!
ولكن لا تبدو هذه النظرة سديدة للغاية، ويكفي إلقاء نظرة واحدة على قائمة الانتظار للتأكد من ذلك. اضف إلى هذا، ليست الأحوال الاقتصادية للجميع متساوية حتى يكون خيار المشفى الخاص متاحًا دائماً.
يقترح البعض حلاً للمأزق أن تتعاقد وزارة الصحة الموقرة مع مجموعة من المستشفيات الخاصة لأجل أن يتم توفير هذه الخدمة للمرضى البالغين من المُواطنين على حساب الوزارة، باعتبار أنَّ هذه الخدمة جزء من حزمة من التسهيلات الصحية التي تُعد من حقوق المواطن.
إنَّ هذا الخيار سيعمل على استغلال الفراغ الذي حصل بتحويل المرضى إلى العيادات التخصصية الخاصة، وتوفيره على عجل للأطفال.
في الواقع أن الوزارة بشتغيلها للمرافق الصحية الخاصة لأجل راحة المواطن، ليست فحسب تكسب رضاه بتقديم حقوقه له كاملة دون تأخير، وإنما تُوجد لها منفذا لدخل إضافي يصب في ميزانتها، وذلك بفرض نسبة محددة من الربح يدفعه لها المرفق الصحي البديل، مقابل ارتفاع عدد زوار المرفق من المرضى، فالمرفق مستفيد، والوزارة مستفيدة، والمواطن يجد الخدمة الصحية التي يطلبها متوفرة.
أيضاً، لتوقف الناس عن البحث عن مسؤول أو إداري زميل، أو طبيب صديق، فلعله و”بالواسطة” يستطيع نقل الاسم في طابور الانتظار من موقع متأخر إلى موقع مُتقدم.
ولنفترض – جدلاً – أن هذا الحل الذي اقترحه البعض لم يجد قبولاً لدى الجهة المعنية، فهل ينبغي أن تظل الأمور على حالها بلا حلول بالمرة؟
لعلنا، حينها، سنُصدق تماماً المقولة التي تنتشر بين الفينة والأخرى في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تقول: حلول أخرى، معناه عقول أخرى!