حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
يتوقع الكثير من الوسطاء والمحللين الاقتصاديين أن يكون لقرار تعليق العمل بضريبة دخل توزيعات أرباح الأسهم والفوائد والبالغة 10% نتائج إيجابية على مستوى زيادة حجم التداول اليومي بالسوق وجذب مزيد من الاستثمار الخارجي خلال الفترة المقبلة. ويرى هؤلاء أن تعليق هذا القرار يأتي في وقت مناسب جدا، حيث إن أرباح الشركات وحجم التداول منخفض حاليا مقابل العائد الكبير لتوزيعات الأرباح التي خصصتها هذه الشركات للمساهمين، بحيث وصل أحيانا إلى 10% عن العام الماضي 2018. فقيم التداول الحالية لا تعكس إطلاقا حجم الاقتصاد أو القيمة السوقية الإجمالية للأسهم المدرجة في السوق. وهذا القرار وإن جاء متأخراً، إلا أنه سوف ينتج عنه تأثير إيجابي بعد فترة عيد الفطر المبارك، وسوف يعزز من الثقة والإقبال على السوق. وكان أمراً حسنا بأن تنتبه الحكومة إلى أن السوق يجب أن يكون مرآة للاقتصاد، ويحظى بدعم حكومي خاصة في حالة تعرضها للأزمات على غرار ما يحدث في أسواق المال بالمنطقة. وهنا يأتي دور الصناديق بأن تتحرك في عمليات الشراء والبيع، لأن حجم التداول الضعيف يؤدي إلى حالة التردد عند المستثمرين، الأمر الذي يتطلب تعزيز هذه العمليات لكسب ثقة المستثمر المحلي والأجنبي معاً.
إن التطور الإيجابي الأخير يأتي في ضوء قرار الحكومة وموافقتها على تعليق العمل بضريبة دخل الأسهم، بحيث يسري التمديد لفترة 3 سنوات اعتبارا من السادس من شهر مايو الحالي، على أن يكون هذا القرار قابلا للتمديد لسنوات أخرى وفق ما صرح به سعادة الشيخ عبدالله بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال في الأمسية التي نظمتها غرفة تجارة وصناعة عُمان مؤخرا.
هذه الخطوة ـ بلا شك- سوف تعمل على تهيئة البيئة المناسبة وتساعد على استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية لتنمية الاقتصاد الوطني بجانب تحقيق المصالح الوطنية. كما يعبّر القرار عن سياسة الانفتاح التي تتبعها السلطنة في التعامل مع الاستثمارات الخارجية ومبادئ اقتصاد السوق، الأمر الذي سيمكّن القطاع الخاص من لعب دور أكبر في برامج وسياسات التنمية الشاملة في المستقبل. إلى جانب ذلك، يمثل القرار أيضا خطوة متقدمة لمنح المزيد من الحوافز والتسهيلات الإضافية لاستقطاب المزيد من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة التي تسعى إليها البلاد في ضوء التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه- لمجلس الوزراء بضرورة إبداء المزيد من الاهتمام لقضايا الاستثمار المحلي والأجنبي وتسهيل الإجراءات والمعاملات وأمور الشركات والقطاع الخاص بوجع عام للقيام بدوره المطلوب في الاقتصاد العماني، ومن أجل أن تكون السلطنة محطة جاذبة للاستثمارات العالمية ويكون لديها سوق أوراق مالية قوية في المنطقة.
لقد كان للنظام الضريبي بفرض 10% ضريبة من إجمالي المبلغ المدفوع للشخص الأجنبي- الذي لا يمارس النشاط في عُمان عن طريق منشأة مستقرة بالسلطنة- تأثيرات سلبية على حركة سوق مسقط للأوراق المالية خلال الفترة الماضية، الأمر الذي أدى بالعاملين في هذه القطاعات إلى المطالبة بإعادة النظر في القرار وتجميده لفترة معينة. فالمبالغ التي دخلت إلى خزينة الدولة من سريان هذا القرار لم تكن بتلك الصورة المتوقعة، بل إن ذلك أدى إلى إلحاق خسائر كبيرة للاستثمارات والمستثمرين في السوق بلغت أضعاف أضعاف ما جنته الحكومة من ذلك. كما أن صغار المستثمرين العمانيين لحقت بهم خسائر كبيرة من جراء التراجع اليومي لأسعار الأسهم وحجمها. فما يتم تطبيقه في العالم من قرارات ربما تكون غير مناسبة للعمل بها على المستوى المحلي، حيث إن مثل هذه الأنظمة الضريبية يمكن العمل بها في الدول المتقدمة، ولكن لا يمكن تطبيقها في السلطنة نظرا لاختلاف القوانين والظروف والقوة المالية للمستثمرين في كل منها. فقرار فرض ضريبة دخل توزيعات أرباح الأسهم والفوائد والبالغة 10% كان له تأثير سلبي على الاستثمارات الأجنبية بسوق مسقط للأوراق المالية منذ صدوره، خاصة أن المنطقة لا يوجد فيها مثل هذه الضريبة على أرباح الاستثمارات، الأمر الذي كان له عامل سلبي على نفسية المستثمرين، وأدى إلى إيجاد تردد لديهم بالاستثمار في السوق، خاصة أنه صدر في وقت تزامن تطبيقه مع تراجع عمليات التداول في السوق نتيجة لتراجع أسعار النفط العالمية من جهة، وزيادة مخاطر الاستثمار في المنطقة من جهة أخرى.
لقد أدى قرار فرض الضريبة على أرباح المساهمين الأجانب إلى تراجع جاذبية سوق مسقط للأوراق المالية، في الوقت الذي نرى أن الاقتصاد العماني بحاجة إلى الاستثمارات الخارجية، الأمر الذي أدى ببعض الشركات إلى تعديل سياسات توزيع الأرباح واستبدال التوزيعات النقدية بتوزيعات سهمية بحيث لا تكون خاضعة لضريبة الدخل، وشكل هذا الأمر بالتالي ضغوطا على أسعار الأسهم المتداولة وتراجع أسعارها. ونتج عن ذلك القرار تزايد مبيعات المستثمرين الأجانب وانتقال ثرواتهم إلى أسواق ومناطق أكثر جاذبية للاستثمار من حيث النمو والربحية ومعدلات الضرائب، الأمر الذي أدى إلى هبوط المؤشر العام ومستويات الشراء ومستويات الأسعار.
والخبراء في هذا الشأن يرون الآن بأن تعليق العمل بضريبة دخل توزيعات أرباح الأسهم أو تجميده لفترة مؤقتة بالرغم من إيجابيته، إلا أن هذا القرار يجب أن يكون مرتبطا بخفض تكلفة الأمور الأخرى المرتبطة بالشركات التي تتداول أسهمها بالسوق. ويتطلب هنا تصليح منظومة من الأمور الأخرى المرتبطة بأوضاع الشركات العمانية التي ما زالت تعاني من الزيادات التي فرضت عليها من الرسوم والضرائب من قبل المؤسسات الحكومية الأخرى. فهذه الرسوم والضرائب لها تكلفة سنوية كبيرة على الأوضاع المالية للشركات، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر في جميع تلك القضايا، وأن تكون هناك (حزمة متكاملة) من الإعفاءات في التسجيل والتجديد وغيرها من الأمور المرتبطة بهذه الشركات والمؤسسات وحوكمتها، ولا يمكن التعامل معها بصورة منفردة. فرغم إيجابية القرار الأخير، إلا أن نتائج هذا القرار سيكون لها تأثير وقتي خاصة في السنة المقبلة عند توزيع الأرباح، بالرغم من أن معظم الشركات المساهمة العمانية تعتبر شركات جيدة ومتوازنة، ولكن بعض القرارات التي تتخذها الحكومة يكون لها نتائج عكسية وسلبية تؤدي إلى فرض التزامات على الشركات وهي في غني عنها. فكلفة ومصاريف هذه الشركات شهدت التزامات كبيرة خلال الفترة الماضية نتيجة للقرارات وقانون ضريبة الدخل الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 9/2019. ولن يكون للقرار تأثير كبير على المستثمر الأجنبي، إلا إذا أعلن عن الإلغاء الكامل للقرار. ففي هذه الحالة يمكن أن يقوي ثقة المستثمرين.
لقد تأثرت الشركات والمؤسسات العمانية تأثرا كبيرا بقرار فرض الضريبة بواقع 10% من إجمالي المبلغ المدفوع للشخص الأجنبي (الذي لا يُمارس النشاط في السلطنة عن طريق منشأة مستقرة فيها) خلال الفترة الماضية، حيث تزامن ذلك بعدة عوامل أخرى منها تراجع أسعار النفط العالمية وتراجع التقييم الائتماني للسلطنة، بالإضافة إلى هذه الضريبة التي فرضت على المستثمر الأجنبي، والذي كان لها أثر سلبي مقارنة بحجم العائد. واليوم فإن السوق بحاجة إلى تواجد شركات كبيرة ذات رأسمال عالية، حيث توجد سيولة كبيرة يمكن أن تجذب المستثمرين والمضاربين. فسوق مسقط معروف عنه بأنه يتمتع بمستوى عال من الشفافية والإفصاح ولديها أنظمة متقدمة للتداول، ولكن السوق في حاجة إلى وجود شركات كبيرة وذات رأسمال عال لطرح أسهمها في السوق لإعادة الثقة وتحقيق النمو المطلوب.