الشيخ هلال بن حسن اللواتی – الوطن
لقد بينا أن التعامل الذي يقوم عليه مع الكائنات يكون بلحاظین أساسيين، وبينا القسم الأول وهو اللحاظ الفردي في الحلقة السابقة وفي هذه الحلقة إن شاء الله تعالى سوف نبين القسم الثاني: وهو اللحاظ الجماعي: فبالنظر إلى كل كائن من الكائنات لمفرده يكون التعامل معه بنحو خاص، إلا أنه يكون ضمن مجموعة من الكائنات الأخرى فإن التعامل مع هذه الكائنات سوف يختلف نحوا ما، وسيكون التعامل معها وفق متطلبات (فريق العمل الواحد) فكل من هذه الكائنات يعتبر مساهما بشئ في تحقيق الحياة والحيوية على وجه الأرض، ومع إزاحة فرد منها قد يسبب إخلالا في المجموعة الطبيعية للكائنات، وقد أثبتت التجارب بوجود علاقة ترابطية وطيدة بين كائنات الكرة الأرضية، وقد عبر عن هذه العلاقة المتينة في اصطلاح العرف البيئي العلمي ب(النظام البيئي)، أو (المنظومة البيئية)، وهو يكشف عن مدى ترابط الكائنات الأرضية فيما بينها وعن مدى احتياجها إلى بعضها البعض، وللبداهة التجريبية، ولكثرة الأمثلة في الحياة نحيل القارئ العزيز إلى تتبع هذه الحقيقة الطبيعية في مضائها خارجا عن هذا البحث، ومن هنا نجد أمامنا مجموعة من أنواع التعاملات مع الكائن، الأولى: التعامل مع الكائن نفسه بلحاظ كله المجموع فيه ذاته، والثانية: التعامل مع الكائن نفسه بلحاظ كل جزء من أجزائه، والثالثة: التعامل مع الكائن نفسه بلحاظ أفراد مجموعته، والرابعة: التعامل مع الكائن نفسه بلحاظ المحيط به من الكائنات المختلفة عنه.
وكل من هذه اللحاظات مورد للمسائل الحقوقية، ولا مناص للإنسان أن يهرب منها، ولا تجاوزها، أو تهميشها، أو تغييبها، أو تضييعها، أو حذفها وإلغاءها، فإذا فعل ذلك كان سالبا ل(حق الإنسان ولحقوقه)، بل وسيكون سالبا لحق من حقوق الكائنات، فتأمل.
حق الكائنات حق ذاتي: وهنا نتساءل: هل هذا الحق لكل كائن من الكائنات مفروض عليه من خارج ذاته ووجوده، أم أنه من ذات وجوده ، منتزع منه؟!.
الجواب: إن كل ما تقدم ذكره ليؤكد لنا بالضرورة بأن مثل هذا الترابط العميق بين الكائنات الحية وغير الحية حسب الاحتياج الذاتي الطبيعي يكشف عن (حق ذاتي)، وهو حق غير اكتسابي، وغير موضوع من قبل واضع بوضع اعتباري، فإذا كان هذا الحق حقا ذاتيا فلازمه تقنين التشريع وفق ضرورة الاحتباج وفق متطلبات الذات، وإلا فإن لغفلة هذا الاحتياج الذاتي، سيوجب (سلب الحق)، ومنه تعم الفوضى في عالم الطبيعة، وبما أن الإنسان ليس في معزل عن هذه الحياة وعن هذا العالم فإنه حتما وجزما سيناله نصيبه من هذه الفوضى الطبيعية.
وبما أن الإنسان هو الوحيد في هذا العالم المالك (العقل)، فيملك أدوات التنظيم، وآليات الحفاظ على النظام البيئي ومنظومته العملاقة الدقيقة فهو المسؤول الأول على ما سيسنه من القوانين والتشريعات التي تصب الأغلب الأعم منها في صالح نمائه، وفي مصلحة مدنيته، فهو في سبيل تحقيق هذه المدنية أن لا يغفل عن أهم ما يسعى إليه وهو (الحضارة) التي تساوق في مفهومنا (المدينة الفاضلة)، وننبه القارئ العزيز إلى أن (الاحتياج الذاتي) داخل في تحقيق تلك الحضارة الإنسانية، فما لم ينتبه الإنسان على هذا الاحتياج الذاتي للفرد وللمجموع فلن يكون من السهل تحقيق الحضارة الإنسانية، بل ونقولها بنحو جازم إنه سيكون التحقيق مستحبة، وهذا يعني أن الحقوق التي يفترض أن تبنى عليها هذه الحضارة ستكون معدومة، فإذا كانت معدومة فكيف يمكن إعطاء كل ذي حقه، وكيف يمكن تحقيق التعامل الإنساني، أجل سیسود في العالم قانون الغاب كما هو يحصل الآن بمرأى ومسمع الجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،