الشيخ هلال بن حسن اللواتي
تعد المنظومة الحقوقية من أهم الأنظمة القائمة في نظام الحياة الاجتماعية للإنسان، بل ولن تعدو الحقيقة إن قلنا إن هذا النظام يعد الأهم في النظام الكوني الوجودي، وما تراه من عالمنا المعاصر كثرة النظريات والأطروحات في هذا الصدد، وكل يدعي وصلا بليلى!، ونلاحظ بين تلكم النظريات ما يقع على حد النقيض، فكيف يمكن الوصول إلى نظرية تحكي عن الحقوق ونظريته ؟!، وهل هناك نظرية معيارية مرجعية، أم يمكن للجميع أن يكون حاكيا عن الحقوق رغم التناقض؟!!، ثم هل العقل البشري والوجدان الإنساني يقبل بمثل هذا تناقض أم لا؟!، فلا بد من تنقيح هذا المطلب بشكل دقيق، ولهذا تعد هذه المسألة من المسائل المعاصرة التي يكثر الحديث عنها.
وقولنا إن النظام الحقوقی، نظام وجودي ونظام كوني فهو ناظر إلى أن موضوع والحقوق بلحاظ متعلقه على نحو العموم غير مقتصر على الإنسان بلحاظ ما يتمتع به من الإرادة والحرية المنبثقتين من العقل؛ إذ أن النظام الحقوقي، بحسب “الرؤية القرآنية” – الدستور الإسلامي- يشمل جميع الكائنات على الإطلاق، وهو من الركائز التي يبتني عليها جوهر “معارف الإسلام”، ولا أظن أننا سنعدو الحقيقة إن قلنا إن الدين الإسلامي يعد الوحيد في الميدان المعرفي الإنساني الذي يتبنى نظاما حقوقيا شاملا لسائر الكائنات على الإطلاق، بل وليس الأمر يتوقف عند هذا الحد فيما يحمله الدين الإسلامي من معارف ذات بعد مشروعي البناء الإنسان وحضارته، إذ يتجاوز إلى مستوى فهمه للمنظومة الوجودية على الإطلاق، وهذا يعني أنه يستوعب احتياجات كل كائنات، ويعرف ما يحتاجه الجميع، والآن لنتعرف هذا المفهوم.
معنى الحق: يستخدم هذا اللفظ في عدة استعمالات، ولكننا بنينا في هذه الأوراق المختصرة على الاقتصار على ما عليه البحث ومتعلقه، محاولين التجنب عن كل أمر زائد عليه، والذي لا يصلح إلا في البحوث المطولة عادة، ومن هنا سنقول: إن «الحق” المقصود في موضوع “الحقوق”، المتعلق بالإنسان هو: “وما يحق أو يعود للشخص” (المصطلحات: إعداد مركز المعجم الفقهي: 975)، و “واحد الحقوق يشمل ما كان لله، وما هو للعباد”، (القاموس الفقهي؛ الدكتور أبو حبيب سعدي)، وبحسب ما تبانينا عليه يشمل أيضا ما للكائنات – وسيأتي الكلام عنه لاحقا إن شاء الله تعالى-، و “الحق في اللغة هوالثابت الذي لا يسوغ إنكاره من حق الشيء، يحق، إذا ثبت ووجب”، (الفروق اللغوية: أبو حلال العسكري: ۱۹۳).
فالحق إذن .. هو الأمر الثابت لمتعلقه، وأن هذا الأمر الثابت له لوازمه الذاتية، وهي بدورها توجب تعاملا خاصا مع ملزومها، فيصبح اللازم والملزوم أمرين ثابتين، وتجري عليهما أحكام تمييزية اختصاصية، تكون منشأ لأحكام وضعية إلزامية.
وهنا لابد أن نضع سؤالا لتقريب المطلب جيدا، وهو بصياغة المقارنة بين رأيين، والسؤال هو هل “الحق” و”الحقوق” من الأمور الجعلية -سواء أكان الجعل وضعيا أرضيا أي من صناعة الإنسان، أم كان الجعل تشريعيا سماويا أي من جعل السماء- التي تكتسب مفاهيمها ومبادئها ومعالمها من وضع واضع، بقطع النظر عن مصدره ومنشأه؟ إذ قد يكون الجعل عرفيا، أو قد يكون تشريعا، والذي يميز مفهوم الجعل الوضعي هو ما نجده بالوجدان ونلمسه في الأروقة الاجتماعية المختلفة بعدم وجود علقة بين الإنسان ومتطلباته أي علقة تذكر، فقد يوضع تشريع أرضي أو تشريع سماوي ولا نجد بينهما وبين متعلقه أي علاقة تذكر سوى اعتبار المعتبر الرسمي أو المعتبرالسماوي.
أم أن “الحق” و”الحقوق” من الأمور الذاتية التي ليس للجعل التشريعي الوضعي ولا للجعل التشريعي السماوي آي مدخلية في وجوده وتحققه ؟!، تفصيل هذا الموضوع سوف نعرفه خلال هذه الحلقات إن شاء الله تعالى، وقبل كل شيء لا بد من أن ننقح الموضوع، ومن بعد ذلك نستطيع أن نقرر، فيمكن أن نقول إن «الجعل الوضعي الاعتباري، ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الجعل الوضعي الاعتباري التشريعي الديني، القسم الثاني: الجعل الوضعي الاعتباري الأرضي.
ونقصد ب”الجعل الوضعي الاعتباري” هنا: هو ما يوضع من قبل واضع وبلسان اعتباری ولا يفرق هنا بين الواضع البشري أو الواضع السماوي، فللشريعة السماوية وضعها الخاص بها، وللقوانين الأرضية وما يتعارف عليه الناس وضعها الخاص بها، والوضع الاعتباري أمر لا مناص منه، فلابد من إنشاء ما به تقوم التفاهمات بين الناس، ويتم التعامل الحضاري به، وتتلاقح به الأفكار، ولكن السؤال المهم الذي برد في البين، وهو سيفصل الموضوع، وهو من سيرشدنا إلى الجواب الحقيقي والذي نحتاجه جميعا وهو: هل هذا الوضع بکلا قسميه- يقوم بدور تأسيسي إيجادي في العلاقة بين تشريعه وتقنينه وبين الإنسان والكائن، فيكون تشريعه وتقنينه مستقلا عن متطلبات الكائن وغير ناظر إليه أبدا، أم أنه يأخذ في لسان تشريعه وتقنينه متطلبات هذا الكائن واحتياجاته الذاتية، فبالتالي يكون دور هذا التشريع والتقنين دورا تنظيميا وليس إيجاديا ؟!!، ومثل هذا الموضوع مهم جدا لأن نعرفه ونوضحه لأننا عدم الوضوح سوف يؤدي إلى عدم القدرة على وضع منهج صحيح، وعلى عدم القدرة على التعامل مع كل شيء في حياة الإنسان سواء أكان صغيرا أم كان كبيرا.