الشيخ هلال بن حسن اللواتي
ليكن في سبيل الحلول مشكلة الظهور بمظهر يساوي مظهر الأسرة الفلانية، والجارة الفلانية والقريبة الفلانية مثلا، ومن خلال هذه الحالة تبحث عن الحلول الأساسية من خلال الرؤية وإدارة الذات.
إننا نتساءل .. لماذا يرغب المرء في الظهور بمظهر متساو مع فلان أو فلانة؟!، ما هي الدوافع التي تدفعه إلى مثل هذا التصرف؟!، هل هو مجرد التفاخر، أو هو شعور بالنقص، أم هو ظهور بمظهر يعتزون به أمام المجتمع؟!، إننا إذ نقف أمام هذه العناوين فإنها تقودنا إلى نفسيات هؤلاء إلى نقطة أعمق، إلى المنشأ والدافع، وما هي الجذور المعرفية التي نبعت منها هذه الأفكار
لا شك أن الإنسان يريد في مجتمعه أن يظهر بمظهر جميل حسن، يود أن يشعر بالفخر والاعتزاز، يأمل أن يكون محط الأنظار والاهتمام، يطمح في المكانة الاجتماعية، وهذا الشعور يرافق الزوجين أيضا، ومثل هذا الشعور قد يتنامي في ظل البهرجة والتطور وزيادة المظاهر الكمالية، وتزداد الحاجة إلى تغطيته بما يقع تحت ملمس ومشاهدة الإنسان، ويزداد بها التنافس بين الطبقات، وهو يشعر أصحابها بنحو من العزة والفخر والفرحة والسعادة والغبطة والأفضلية والأجملية وما إلى هنالك من مثل هذه العناوين.
وبالتأمل في هذه العناوين فإن هناك ما هو حاضر دائما وأبدا، وفي كل لحظة، وفي كل حالة، وفي كل مظهر، وفي كل عنوان، وفي كل موضع تنافسي، وفي كل محل الشعور، وهذا الحاضر الدائم ليس إلا ال “أنا”!!، ومن هنا سوف يتوجه الطرح من خلال السؤال التالي إلى البحث عن العلة الأساسية وراء طلب الإنسان ومنه الزوجان لتلكم المظاهر التي ذكرناها في الحلقة السابقة، والسؤال هو: ما الذي تبحث عنه ال”أنا” الإنسان بالتحديد؟!، ما الذي يدفعها إلى امتلاك تلكم الأشياء في الحياة؟! ، وما هو الموجه لها إلى التمظهر بتلكم المظاهر الاجتماعية؟!، وهل هناك ثمة سبب يرغيها في التنافس المادي ؟!، وإذا ما وددت أيها القارئ العزيز أن تطرح أسئلة شبهها فلك مطلق الحق في ذلك، لأن مثل هذه الأسئلة تكون مفتاحا إلى فتح خزانات الحقيقة، والوصول إلى مواقع الحل النموذجي، إن مثل تلك الأسئلة مهمة لمعرفة الخطوة التالية من حركة الفكر وبناء السلوك، والآن لنجب عليها بشكل موجز بعونه تعالى.
إن محاولات (أنا) الإنسان للتمظهر بمختلف أنواع المظاهر، وبذل المحاولات للتغلب على الآخرين، والدخول في عالم التنافس، والسعي لاستحصال المدح والثناء والإطراء، والهروب من كل ما من شأنه القدح والذم والتقبيح كل ذلك ناشئ من صميم تركيبة هذا الإنسان، سواء كان خادما أو كان رئيسا، زوجا كان أو زوجة أبأ كان أو ابنا، أما كان أو فتاة، مديرا كان أو موظفا فإن العنصر المشترك الموجود في كل إنسان على الإطلاق هو أنه قد صممت تركيبته الوجودية على شيء، والإنسان يغفل عنه في هذه الحياة بسبب ظهور أشياء أمامه توحي له أنه هو مطلوبه وهو مراده، إلا أنه عندما يكتشف أنه ليس هو المراد، فإنه يتحرك نحو شيء آخر، وفي الوقت نفسه يقهر نفسه أن يساير العقل الجمعي، ويسير في التيار الاجتماعي وان تولدت في نفسه قناعات عدم صلوحه.
والشيء الذي تبحث عنه ذاته ليس إلا والجمال المطلق “والجمال المطلق” فإن وجده انشغل عن غيره، وانجذب نحوه انجذاب الفراشة إلى بريق الشمعة، ولكن بسبب ما عليه المجتمعات عامة من غياب التوجه إلى الجمال الحقيقي، ومن الغفلة عن الكمال الحقيقي فإن البيئة الاجتماعية تؤثر في مسيرته ويحثه وتقوده إلى طريق مسدود بطبيعته، ولا يظنن أحد أن المسألة فكرية بحته، أو عقدية محضة، وهي تتناول لأجل رياضة عقلية فقط، كلا، إذ هنا يظهر أهم فارق بين المدرستين، المدرسة الإلهية والمدرسة البشرية، فإن المدرسة البشرية يمكن لها أن تضع الفكرة فكرة محضة ولا يكون لها أي اثر عملي أو سلوكي في حياة الإنسان من قبيل صناعة الأفلام الخيالية مثلا، وأما المدرسة الإلهية ترى وجود رابطة وجودية تكوينية بين كل ما يصدر من الإنسان وبين سائر الموجودات، من غير فرق بين الوجود المادي وبين الوجود المعنوي، وهذا المعنى للأسف لا يريد الإنسان أن ينتبه إليه، مع أن القرآن الكريم ما ترك قصة ولا مفهومأ ولا حكمأ ولا موضوعا إلا وتعرض لبيان الحقيقة التي يقوم عليها هذا الوجود فكتاب الله تعالى أعلن في أفنيتنا، في ممسانا ومصبحنا، يهتف في أفنيتنا هتافا وصراخا وتلاوة وألحانا.
إن التشابك الوجودي القائم بين سائر الموجودات من جملة ما يحكم به عليها هو أن طلبه للمظاهر الدنيوية والرغبة في بهارجها غير مغفول عنه، بل هو منظور إليه من قبل سائر الكائنات والموجودات، وهي تشعر بكل ما يقوم به الإنسان، كما أنها تشعر بفعله الإيجابي وتشعر بفعله السلبي على سواء، تأمل في قوله تعالى؛
“ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ” الروم/ 41 فالأية المباركة عللت سبب ظهور الفساد في البر والبحر هو الإنسان، ولا فرق في ذلك الزوج والزوجة.