هلال بن حسن اللواتي
لقد علمنا أن عالمنا ليس كما نراه، بل هو أوسع وأعمق، وأن نظرتنا محدودة جدا بأطر هذا العالم، في حين نجد القرآن الكريم يفتح لنا أفق العوالم العظيمة، ويعلمنا بأننا نقدر على توسعة معارفنا وقدراتنا بما يشمل معادلات الوجود، وأن من أهم مفتاح لفتح مغاليق أبواب خزائن الوجود ليس إلا بالتقوى.
لقد علمنا قصة من القصص البشرية التاريخية، والتي تحدثت عن أصحاب السبت والذين كانوا تجار أسماك، وكانت الثروة السمكية هي مصدر دخلهم واقتصادهم، إلا أن الأسماك علمت بطريقة ما أن هؤلاء التجار خرجوا عن صراط الاستقامة، فغيرت الأسماك نمط سلوكها، ترى كيف علمت الأسماك هذا الانحراف الواقع على اليابسة؟! وكيف تأثرت؟
إننا معاشر البشر نجهل حقيقة العالم الذي نحن فيه، وبرغم المحاولات الجارية لسبر مجاهل الكون إلا أن هناك يقينا بأننا إلى الآن لم نستكشف سوى 5% من هذا الكون، والطريف أن ما اكتشف لم يفهم من قبل العلماء سوى 5% (أفاد بهذه المعلومات وبهذه النسب رئيس مركز الطيران والفضاء الألماني يوهان ديتريش فورتر، راجع قناة الجزيرة/الأخبار المنوعات / تحت عنوان عالم ألماني: معظم أسرار الكون لم تكتشف بتاريخ: 15 / 11 / 2008م،فلا سبيل للإنسان إلى إنكار شيء بجهله تماما، ومن هنا نجد العقل والعقلاء والمنطلق البشري بعدم الممانعة من إخبار صانع هذا الكون عن تلكم المجاهيل وذلك عبر رسله والممثلين عنه بين خلقه، وهذا ما حدث، فلقد جاء رسول الله صلى الله عليه وآله الطاهرون وأصحابه المنتجبون بمعلومات وبمعارف تعلمنا الكثير عن مجاهيل هذه النشأة وعن مجاهيل غيرها من النشآت، وكان أعظم مصدر جاء لنا به هذا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله الطاهرون وأصحابه المنتجبون هو: القرآن الكريم، وهو كتاب الله تبارك وتعالى، يحمل في آياته وسوره معارف الوجود كله، فمن تلكم المعارف التي يقدمها هذا الكتاب العزيز هوأن ما نحن فيه من النشأة في في الحقيقة نشأة دنيوية، وهناك نشأت علوية في كل شيء، وعلوها شامل، وبين الكتاب العزيز أيضا أن كل الوجود يقع ضمن منظومة مترابطة متناسقة، وبما أن علمنا محدود بهذا العالم المادي فإن اكتشافنا له أيضا محدود جدا، لأنه يعتمد على مستوى إدراكنا وقيمنا الواقعنا المادي، ولا تزال الاستكشافات على قدم وساق، ولا تزال النسب المستكشفة متواضعة جدا، فإن صانع هذا الوجود يساعدنا ويمد يد العون إلينا کي نستطيع تحقيق حياة سعيدة في هذه النشأة المادية من غير منغصات وذلك من خلال كتابه العزيز ومن خلال رسوله الكريم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، فمن جملة ما أخبرنا به القرآن الكريم حول القوانين الوجودية هو: أن هذه النشأة الدنيوية تحوي على قانونين (وليس قانونا واحدة)، فالقانون الذي أدركت البشرية والقانون المادي، وهو الذي تقوم عليه العمليات والأنشطة الفيزيائية والكيميائية والهندسية وغيرها، وهو يقوم على معادلات رياضية دقيقة، وتبذل المحاولات البشرية لفهم تلكم المعادلات الرياضية المعقدة والبسيطة، وتبذل أيضا محاولات لوضعها في صياغة رياضية بشرية، وفي الوقت نفسه بين هذا الكتاب العزيز معادلات أخرى تحيط بهذه الحياة وبهذه النشأة المادية، ونجد في آياته وسوره ما يزيد عن 85% بيانا لذلك القانون ومعادلاته، ولقد وصف الله تعالى لتلك المنظومة الوجودية التي تتضمن القانونين المادي وغيرها بر سنة الله، قال تعالى: «فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا ، فاطر/43 ، وقد عبر في الفلسفة عن التبديل والتحويل بالخلف والتخلف، وهما من أهم قوانين الحياة المادية التي تقوم عليهما فهم طبيعة الحياة، وبهما يستطيع الإنسان التعامل مع كل مفردة منه بنحو منظم.
ومن ضمن المعادلات التي ذكرها القرآن الكريم لتحقيق الحياة الرغيدة والسعيدة هي معادلة التقوى ، وهي من أهم وأعظم المعادلات التحقيق ما يرغب فيه الإنسان من الصناعة الممكنة، وبين الكتاب العزيز أن لهذه المعادلة مدخلية في رفع المستوى الاقتصادي إذا ما تحققت، وفي الوقت نفسه من تركها وتجاوزها فإن الكون يملك مجسات الاستشعار فائقة الدقة والشعور فيتحرك عندئذ حسبما يملي عليه السلوك البشري السلبي، فتأمل في هذه الآية المباركة جيدا:« ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ۲ – ۳، والرزق المذكور في الآية المباركة كما أنه ينطبق على الرزق المعنوي فهو أيضا ينطبق على الرزق المادي وهو الذي يعرف بالاقتصاد، ولا يفرق في هذا الاقتصاد بین كونه اقتصادا على مستوى المؤسسات الصغيرة أو كان على مستوى المؤسسات الكبيرة، سواء أكان على مستوى الأسرة أو كان على مستوى أوسع من الأسرة وسواء كان على مستوى المجتمعات المحلية أو كان على مستوى المجتمعات الدولية، فأينما كان الانطباق لهذا الاصطلاح (الاقتصاد) فإن الآية الكريمة (ويرزقه) تشمله.
إذن .. القرآن الكريم يقدم لنا معادلة مهمة من معادلات الرخاء الاقتصادي، بل وفيه جنبة النمو والتوسعة الإيجابية، وما هذه المعادلة الوجودية سوى “التقوى” والخطير فيها أن من تركها يتأثر سلبيا سواء كان على مستوى الأفراد أو كان على مستوى الجماعات.