عقيل بن عبد الخالق اللواتي – شرق غرب
مِنَ التَّساؤلات التي أُثِيرت عشيَّة فتح بَاب استقبالِ طَلبات الترشُّح لانتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة التاسعة: هل بالإمكان للمرأة العُمانية أن تكَسْر حَاجِز السُّقوف الزجاجية، وتحظى بتمثيلٍ أكبر في مجلس الشورى؟
لا تَزَال مُعظم البرلمانات في العالمِ العربيِّ يسيطر عليها الذكور بشكل كبير.. وحتى في البرلمانات التي فيها حُضُور نسبي للنساء، تظلُّ السُّقوف الزجاجية ثابتة في مكانها. فعلى الرَّغم من الخطوات المهمة التي قطعت في العالم العربي نحو تحقيق المساواة بين الجنسين في العديد من القطاعات خلال السنوات الأخيرة، إلا أنَّه لا تزال هُناك حقيقة مُفادها أنَّ ثقافتنا السياسية في الشراكة والمشاركة في المسؤولية الوطنية ما زالت تَمِيل لصالِح الرجال؛ حيث إنَّ السُّلطة والمال والوجاهة الاجتماعية، أو المعتقدات الثقافية التي تحدُّ من دور المرأة في المجتمع، غالباً ما تكون لها الأسبقية على الكفاءة؛ مما يُؤدِّي إلى عدم منح المرأة مستوى الملعب الذي تستحقه.
ثمَّة اعتقاد سَادَ لقرونٍ بأنَّ المرأة عاطفية أكثر من أنْ تتولَّى أي مناصب قيادية على الإطلاق. وبما أنَّ القوَّة ضرورة من ضرورات السياسة؛ فقد كان يُعتقد أيضًا أنَّ القوة هي سمة ذكورية، في حين أنَّ الضعف سِمة أنثوية؛ فالرَّجل حكيم في رؤيته، حازم في مَواقفه، وعقلاني في تفكيره، في حِين أنَّ المرأة تغلبها العاطفة، غير قادرة على اتخاذ القرارات السليمة الصائبة، وهي بذلك غير مُؤهَّلة لخوض غمار السياسة وإدارة الشأن العام تمامًا.
كانتْ السياسة مُخصَّصة للرجال فقط؛ لأنَّ المجتمع لم يعترف بقدرات النساء ومواهبهن في إحداث أي تغيير: ثقافي، واجتماعي، واقتصادي؛ لذلك لم تنل المرأة حقها في أن تكون جزءاً مندمجاً وعنصرا أساسياً في المجتمع، وتم حرمانها وإبعادها عن السياسة وعن ادارة الشأن العام ودوائر صُنع القرار.
لقد تغيَّر هذا المفهوم بالطَّبع، في العالم كله -بما فيه العالمان العربي والإسلامي- عندما أثبتتْ المرأة جَدارتها وكفاءتها الكبيرة في مواقع قيادية مختلفة من المسؤولية في مختلف المجالات والميادين؛ فأصبحت مُديرة، وسيدة أعمال ناجحة، وسفيرة، ووكيلة وزارة، ووزيرة، وهو ما فَتح المجال لتولِّى المرأة المناصب القيادية بشكل أكبر في المستقبل المنظور.
إنَّ تمكين المرأة في المواقع القيادية للمُشَاركة في عملية صُنع القرار هو في الواقع مِصْدَاق حقيقي لمبدأ التكافؤ والمساواة العادلة في فرص العمل، أيًّا كان نوع العمل أو حجمه أو مجاله. وكل هذا كان مستحيلًا يومًا ما، لكنه أمسى اليوم أمرًا واقعًا. وهذا أمرٌ طبيعيٌّ، ولكن الأمر غير الطبيعي هو أن يبقى التمثيل النيابي للمرأة وحضورها في إدارة الشأن العام ضئيلا جدًّا، حيث تعد نسبة تمثيلها في الدول العربية من أدنى النسب على مستوى العالم.
انَّ مفهومَ المساواة العَادِلة وتكافؤ الفرص لا يقتصرُ على مجال دون آخر، ولا يَعْنِي منه تكافؤ الفرص التعليمية والوظيفية فحَسْب، كما قد يَتَبادر إلى أذهان كثيرٍ من الناس، وإنَّما يتعدَّى ذلك ليشمل مختلف المجالات؛ ومنها أيضًا: الشراكة والمشاركة في الشأن العام على قَدَم المساواة بين الجميع، ويعدُّ التمثيل النيابي للمرأة من أهم الصور الفعلية لممارسة هذا الحق.
وَهَذا أمرٌ طبيعيٌّ ومنطقيٌّ؛ فلا يُمكن أن نفصل المرأة بأي حال من الأحوال عن المجتمع. ومن الطبيعي أيضًا أن أي قضية من واقع حياتنا الاجتماعية لا يمكن وصفها بأنها قضية مقصورة على جنس دون آخر، فكلُّ القضايا بمختلف أنواعها تقريبًا تهم المرأة كما هي بالنسبة للرجل، بحُكم ولوج المرأة في كافة أوجه الحياة العامة وميادينها. بل ويبدو بديهيًّا أن تكون هناك العديد من القضايا الأخرى التي تهم المرأة حصرًا، ومن المنطقي هنا أن تركِّز المرأة على تلك القضايا التي تهمُّها وتؤثر فيها أكثر من الرجل.
على سبيل المثال: عِنْدَما نَسْمَع عن ظاهرة تفشي العُنوسة بين الجنسين بسبب غلاء المهور في المجتمع، هل من العدل أن يُقرِّر الرجال فقط ما ينبغي أن يكون مهرَ المرأة وحجمه وقيمته؟ أم يجب أن يكون هناك نساء كذلك يُشاركن برأيهن لإيجاد حلول مناسبة لهذه المشكلات؟ مثال آخر: عندما نريد أن نُوجِد حلولًا جوهرية لمشكلة الطلاق وتداعياتها الأسرية، أو نُنَاقش السنِّ القانونيَّة للزواج للحدِّ من أضرار زواج القاصرات: النفسية، والعقلية، والجسمانية، أو نتناول قضايا العنف ضد النساء، أو رعاية الأطفال والمسنين، أو نبحث عن حلول مُتكاملة لوضع حدٍّ لبعض أوجه الإقصاء والتهميش أو التمييز الممارس ضد المرأة ومعالجة الفقر والأمية والبطالة؛ للنهوض بالمرأة والسموِّ بموقعها في المجتمع، أليس من المنطقي أن تركِّز النساء على هذه القضايا أكثر من الرجال لصلتها المباشرة بهن؟!
هناك حقيقة مفادها أن المرأة لها قدرات لا يستهان بها على مواكبة المجتمع والتأثير فيه، ليس في الشأن النسوي فحسب، وانما في نطاق أوسع يشمل المجتمع كله. على سبيل المثال، وفقا لموقع المنتدى الاقتصادي العالمي: وجدت الأبحاث حول (المجالس المحلية) في الهند أن عدد مشاريع مياه الشرب في المناطق التي توجد بها مجالس تقودها الإناث كانت أعلى بنسبة 62٪ مما هو عليه في المجالس التي يقودها الذكور. وعلاوة على ذلك، فإن زيادة مشاركة المرأة لم تؤد فقط إلى زيادة توفير السلع العامة، بل أدت أيضا إلى انخفاض مستويات الفساد.
ببساطة.. كُلَّما زاد عدد النساء في المجالس النيابية، تمَّت مُعَالجَة المزيدِ من القضايا الاجتماعية والتنموية التي تهمُّ المجتمع ككل. وبطبيعة الحال، فإن المجتمع الذي يستثني المرأة من التمثيل النيابي المتكافئ سيخفق حتماً في تحقيق الكثير من أهداف التنمية المنشودة، وهو ما ينبغي للناخب الالتفات اليه في اللحظة التي يشكل فيها قناعاته صوب اختيار معين.