حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يتجدد موضوع «نوبك» مرة أخرى بعدما أوردت بعض الوسائل الإعلامية العالمية كوكالة رويترز من أن ثلاثة مصادر مطلعة على سياسة السعودية في مجال الطاقة ذكرت أن المملكة بصدد بيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار إذا مضت واشنطن في إقرارها لقانون يجعل الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» عرضة لدعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار. وفي هذا الإطار يعتبر البعض أن هذا الأمر يحمل في طياته تهديدا من قبل الدول النفطية المؤسسة لهذه المنظمة. أما السعودية من جانبها فقد نفت صحة هذا الخبر وعدم نيتها بيع نفطها بعملات أخرى غير الدولار الأمريكي، فيما حذّر بعض الخبراء من تداعيات انهيار نظام «بترودولار» المعمول به منذ سبعينات القرن الماضي.
وقانون (نوبك) وهو بالاختصار يعني No Oil Producing and Exporting Cartels هوَ مُقترح مشروع تم تداوله لأول مرة في عام 2000 داخل أروقة الكونجرس، ثم طرح عدة مرات أخرى في عامي 2007 و2008، بصيغ مختلفة، لكنه لم ير النور حتى الآن. فقد طُرح موضوع «نوبك» في الكونغرس نحو 16 مرة منذ مطلع القرن الحالي 21، دون أن ينجح الأعضاء في اعتماده. وتشير بعض المصادر الى أنه من المفارقات في هذا الموضوع أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، عندما كان نائبا في الكونجرس بجانب هيلاري كلينتون قد صوّتا بالموافقة على مشروع القانون، لكن أوباما عارضه بشدة عندما أصبح رئيسا لأمريكا، وهدّد باستخدام الفيتو في حالة التصويت عليه بالموافقة.
يستهدف مشروع القانون مكافحة الاحتكار في مجال النفط، ليسمح بمقاضاة منتجي «أوبك» في المحاكم الأمريكية والدولية بتهمة التواطؤ، باعتبار أن هذا الأمر يدفع الدول بتقييد إنتاج نفطها أو غازها من خلال تحديد أسعارهما، الأمر الذي يعد مخالفا للقانون، ويدفع تلك الدول إلى إزالة الحصانة السيادية لها على هذه المنتجات. كما يهدف القانون إلى إزالة حصانة الدول المُصدّرة للنفط (أوبك) بالإضافة إلى باقي الشركات النفطية العالمية ويدفعها إلى تحرير إنتاج الكميات النفطية لدول المنظمة ويوقفها عن بيع نفطها وفق سياسة هذه المنظمة. وما يدفع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تطبيق هذا القانون هو كسر سياسة الاحتكار الذي تمارسه (أوبك) خصوصا بعد اتفاق الجزائر في عام (2016) وفيينا عام (2018)، والضغط على باقي دول المنتجة للنفط في العالم من أجل عدم التأثير على أسعار النفط التي يتم تداولها في السوق العالمي، والتأثير سلبيا على أهداف هذا التحالف الاقتصادي النفطي مستقبلا. فقبل اتفاق خفض إنتاج النفط في نهاية 2016، كان الكثيرون يرون أن (أوبك) لم يعد لها دور محوري في سوق النفط العالمي وأن تأثيرها على الأسواق لما يعد كسابق عهدها، ولكن بعد الاتفاق التاريخي عادت الثقة للبعض في أن (أوبك) لم تنته مثلما كان يتوقعه البعض، وأن عصر النفط لم ينته بعد أيضا، وأن مستقبل هذه المنظمة (أوبك) مشرق ومبشر، خاصة بعدما نجح الأعضاء بعقلانيتهم وقدرتهم على تجاوز الكثير من الصعوبات والأزمات التي كانت تحوط بالمنظمة.
إن أهداف الرئيس الأمريكي ترامب عديدة في هذا الصدد منها خفض أسعار النفط العالمية كي يتسنى له تحقيق جملة من الأمور وفق السياسات التي يتبناها منها كبح التضخم في الاقتصاد الأمريكي وسد عجز المديونية الأمريكية، وتوسيع خيار أوروبا بعيداً عن هيمنة روسيا على سوق إمدادات الطاقة إليها، وزيادة جدوى وفعالية العقوبات الأمريكية ضد إيران، بالإضافة إلى الإبقاء على الدولار كعملة تجارة دولية رئيسية. وهذا الأمر هو ما يحتم على واشنطن السيطرة تماما على تسعير الطاقة بشكل مباشر وليس فقط عبر أنظمة وحكومات تواليها. لكن هناك الكثير من اختلاف وجهات نظر المُشرعين الأمريكيين تجاه هذا القانون منذ طرحه لأول مرة، حيث فشل أعضاء الكونجرس على تمرير القانون لحدّ هذه الساعة بسبب تلك الخلافات عليه. وفي حالة الإقرار به فإن عدة دول داخل منظمة (أوبك) لديها خيارات أخرى منها التخلي عن الدولار، خاصة وأن هذا الموضوع جرى مناقشته بين أعضاء أوبك وعدد من كبار المسؤولين في تلك الدول في مجال الطاقة في الشهور الأخيرة وفق ما أشارت إليه بعض الوسائل العالمية. كما أن هناك دولا أخرى من خارج المنظمة كروسيا والصين لديها الرغبة بتغيير عملة الدولار في مثل هذه التداولات.
وهناك اليوم آراء عدة إن كانت السعودية فعلا سوف تتخلى عن الدولار. فقد أوردت وكالة رويتز على لسان الخبير الاقتصادي قصي جاموس، مدير مؤسسة «بوليشماركس» للاستشارات الاقتصادية لوكالة «سبوتنيك» عن أن هذا القانون هو عبارة عن ضغط سياسي وليس لأمر اقتصادي، مضيفا أنه نوع من الرد السياسي، لأن موضوع (نوبك) استجد اليوم، بالإضافة إلى عامل السياسات الأمريكية غير المتوقعة، خصوصا أن ترامب لا يمكن التنبؤ بقراراته. ويوضح الخبير أنه في حالة استغناء السعودية أو أي من دول «أوبك» عن الدولار، فإن هذا الحديث ليس بجديد، بل حصل قبل ذلك عند حدوث بعض الأزمات المالية العالمية، عندما انخفضت قيمة الدولار آنذاك، مشيرا إلى أن الصين أيضا كانت ترغب خلال العامين الماضيين بالتخلي عن الدولار في تجارة البترول تحديدا، وأنشأت سوقا للعقود الآجلة مقومة باليوان الصيني، لكن اليوان نفسه ظل مرتبطا بالدولار.
لقد سبق للسعودية – وهي الدولة التي تقود منظمة (أوبك) باعتبارها أكبر منتِج للنفط في العالم أن عارضت هذا القانون منذ رئاسة جورج بورش، كما أن للسعودية استثمارات كبيرة في الاقتصاد الأمريكي، ومثل هذا القانون ربما يؤدي إلى فقدان تلك الاستثمارات ليس فقط في مجالات الطاقة فحسب بل في عدة مجالات أخرى، وهذا ما يؤدي إلى معارضة الأعضاء في الكونجرس باعتماد هذا القانون وتطبيقه، إلا أن فرص الموافقة عليه هذه المرة في الكونجرس تبدو كبيرة، في ضوء بعض القضايا الخلافية التي نشأت مع السعودية مؤخرا منها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، إضافة إلى فوز الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي في أواخر العام الماضي 2018. ومع تقلبات أمزجة الرئيس الأمريكي تجاه القضايا العالمية، فإنه من غير المؤكد التكهن إن كان سيستخدم حق الفيتو في حالة إقراره من قبل الكونجرس الأمريكي.
إن بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع ومنها دراسة مركز دراسات الطاقة العالمية في لندن خلصت إلى أنّ منظمة (أوبك) قد ساهمت في دفع أسعار النفط في عام 2008 إلى ما فوق 60 دولارًا/للبرميل الواحد. كما استنتجت هذه الدراسة إلى أن (أوبك) تُساهم وبشكل مباشر وغير مباشر في زيادة السعر المركزي للنفط في العالم مما يتسببُ في زيادة سعره لدى المستهلك بما في ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة أيضًا. ومنذ عام 2000 وحتى اليوم فان الجدل يتواصلُ في كلّ مرة حول مشروع القانون. ويرى البعض أن أمريكا سوف تستفيدُ من ذلك في حالة الشروع في هذا القانون الذي حتما سيؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، لكنها من جهة أخرى ستُضر بمصالح الدول النفطية بما في ذلك دول الأوبك التي تربط بعضها بعلاقات اقتصادية وسياسية قوية مع أمريكا. والأمر الآخر هو أنه من غير المعروف مدى إمكانية التزام الدول النفطية بهذا القانون في حالة إقراره والإجراءات المضادة التي يمكن أن تتخذها في هذه الحالة. ولكن بحسب تقرير «رويترز» الذي ذكر التهديدات السعودية، فإن احتمالات دخول «نوبك» حيز التنفيذ تعد ضئيلة.
جريدة عُمان