د. طاهرة اللواتية
يتكلم الشعراء كثيرا عن العينين، فيقول السياب «عيناك غابتا نخيل ساعة السحر»، بالفعل للعينين لغة شفافة تمس شغاف القلب. كانت تجلس في مقابلي في استوديو البث المباشر، في أثناء تقديمي لحلقة إذاعية عن دمج الأطفال المعوقين ذهنيا في المدارس العادية. لم ترفع عينيها عني لحظة وكانت تتابع الحوار الذي انخرطت فيه مع الضيوف، ترتدي « مريولها» المدرسي، فهي في الصف الحادي عشر، جميلة أنيقة هادئة، لا أستطيع أبدا أن أقول إنها تشبه أطفال «الداون سيندروم» بملامحهم الخاصة، رغم أنها منهم، فلربما الدمج التربوي كان له دور في تخفيف حدة هذه الملامح، شعرت بنبض قلبها وروحها خلف عينيها الشفافتين المتوترتين، طفلة ولدت بإعاقة ذهنية وللأسف أطفال فئة الداون يولدون برقم مضاعف لمرة ونصف عندنا عن بقية دول العالم، ونحن بحاجة لأن نبحث عن السبب كي نعود للمعدلات الطبيعية!
كانت العينان تلتقطان الحوار الدائر بشغف، وتتابعان كلامي والضيوف بتركيز وفهم. هي تدري أن مصيرها معلق بقرار لوزارة التربية والتعليم، قرار سيجعلها أول طفلة«داون» تحصل على دبلوم الثانوية العامة في سلطنة عمان، أول طفلة ستفتح الباب بأن يدخل أطفال الداون الى الجامعة، كما هو حاصل في العديد من دول العالم.
فكم هو هذا القرار مهم وخطير يا معالي وزيرة التربية والتعليم! وكم يعطي لعائشة وأمثالها من الأطفال والأسر الأمل الكبير لمستقبل تعليمي، وثقة في النفس عالية، كم هو مهم أن نقول إننا مع الحقوق التعليمية للأطفال المعوقين ذهنيا حتى يصلوا الى مقاعد الجامعة.
في التسعينات عندما كنت اعمل أخصائية اجتماعية في مدارس السلطنة، كان مكان أطفال الداون المدرسة الفكرية، وبعد انتهائهم من منهاج الفكرية يجلسون في البيوت، يأكلهم الفراغ والنسيان، ولم يكن هناك أي نوع من الدمج لهم في المدارس العادية، وأتذكر إحباط الأهالي والأسر من هذا الواقع، فكل جهدهم المبذول مع أطفالهم كان يذهب هباء، لكن عندما بدأ الدمج التربوي في أواسط العقد الماضي انفتح باب الأمل لهؤلاء الأطفال وذويهم كبيرا وواسعا. وإذا كانت عائشة قد وصلت للصف الحادي عشر في مدرسة دمج تربوي؛ فهو نجاح كبير لبرنامج الدمج في وزارة التربية والتعليم، وتبقى الخطوة الأخيرة والمهمة لاستكمال هذا الدمج، وتتمثل بإعفاء هؤلاء الأطفال من مادة دراسية ما كي يستمروا ويحصلوا على دبلوم الثانوية العامة، فعائشة بحاجة الى إعفاء في مادة الأحياء. ان هذا النوع من الإعفاء حاصل في كثير من الأنظمة التربوية لدول العالم لهذا النوع من الأطفال، حتى يحقق الدمج التربوي مقاصده وأهدافه، ولترتاح عينا عائشة، وتعلوهما البسمة، وأعين أمثالها، فهم لم يختاروا إعاقتهم، لكنهم اختاروا أن يعملوا جادين لتخطي الإعاقة والدخول الى عالم الأناس العاديين، فهلا نكافئهم !؟