فاطمة أنور اللواتي: شؤون عمانية
هناك بون شاسع بين الاحلام والواقع.. فكلنا نحلم، الا ان الواقع هو الذي يحدد الكثير من أفعالنا وتصرفاتنا. هذا لا يعني ان نتوقف عن الحلم وإنما يعني ان ننظر الى الواقع بعين واقعية. الحلم يشطح بنا يمينا وشمالا الا ان الواقع يجعلنا نمسك بالخيوط الصحيحة لرسم خططنا وتوجهاتنا ومسارنا على ضوء ما نملك من قدرات.
حلم كل مترشح لمجلس الشورى ان يكون له برنامجه الانتخابي يستطيع ان يُفعِّله وينفذه ويقدمه لأبناء وطنه في فعل متحرك .. ولكن واقعنا لا يسمح لنا الا بتقديم رؤية حيال مجلس الشورى. وبين الرؤية والبرنامج بون كبير وشاسع. إننا أحيانا بسبب أحلامنا الكبيرة أو بسبب جهلنا ببعض المصطلحات او بسبب التداول الشائع لبعض المصطلحات، تختلط علينا الامور. لهذا نرى أنه قد كثر استخدام مصطلح “البرنامج الانتخابي”. في احد المجموعات الواتسابية، أشار الدكتور علي الريامي الى نقطة جديرة بالاهتماموالتي حثتني على التفكير والكتابة حول هذا الموضوع، فقد قال الدكتور علي: “هل يحق للمرشح وضع برنامج انتخابي؟ .. طريقة عمل المجلس لا تتلاءم مع برامج انتخابية. البرنامج الانتخابي يتبناه حزب وليس فرد”.
بمراجعة البرامج الانتخابية المتاحة في بعض الدول وجدت أنها جميعَها متصلة بأحزاب ومؤسسات وجمعيات وقوائم وغيرها من الكيانات التي تتعدى دائرة الفرد. يُطرح البرنامج الانتخابي عادة من قبل فريق متكامل من الافراد أصحاب مؤهلات وقدرات تتكامل مع بعضها تحت مظلة سياسية واحدة. وتحت تلك المظلة السياسية يتحرك الأعضاء لتفعيل البرنامج الانتخابي وتحويله من فكرة ممكنة التطبيق الى واقع ملموس. والبرامج الانتخابية هي وعود يقطعها حزب او جمعية عبر مرشحهم للقيام بتغييرات تتعدى صلاحية عضو مجلس الشورى في سلطنة عمان. وعود الجمعيات والأحزاب تصاحبها القدرة على التفعيل والتنفيذ في واقع تلك المجتمعات بسبب قوتها المستمدة من الحزب وما ينتج عنها من تأثيرها الكبير على الحكومات. لهذا تشمل البرامج الانتخابية بنودا تخص عملية التطوير والتعديل والتنفيذ وخطط كبيرة تعرض على الناخب لتعريفه بما يمكن ان يحققه المرشح الذي ينتمي لهذه القائمة او تلك. ومن أهم الأمور التي تجعل البرنامج الانتخابي قويا وفاعلا هو مصداقيته وبعده عن الوعود المعسولة التي تدغدغ أحلام الناخبين.
يقع البرنامج الانتخابي بسعته عند قاعدة الشكل المخروطي الواسع، وعند المنطقة الضيقةمن ذلك الشكل المخروطي يتحرك عضو مجلس الشورى برؤيته الانتخابية الضيقة. فهو لا يستطيع طرح برنامج انتخابي لأنه لا يعمل ضمن فريق او جمعية او قائمة. إنه يتحرك وحيدا من أجل إقرار وتيسير او اقتراح او تقييم بعض القوانين التي تضمن حقوق المواطنين. المرشح المنفرد لا يحمل برنامجا انتخابيا وإنما لديه رؤية يقوم وفقها بالتحرك من اجل الفوز بعضوية المجلس. عبر هذه الرؤية يتواصل مع الناخبين لتوضيح دوره الذي يعكس قدرته ونقاط قوته المتمثلة بالأفكار التي يطرحها لمحاولة تغيير واقع ما الى واقع أفضل. ورؤيته تلك ليست بالضرورة يمكن تفعيلها او اقرارها أو تنفيذها على الوجه الأكمل الا ان اخلاصه في العمل وكشفه لنقاط قوة وضعف عمل الحكومة تجعلنا نتمسك به لأداء الدور الذي منحه إياه النظام الأساسي للدولة.
إن رؤية المرشحين فيما يستطيعون مناقشته وفهمه تختلف حسب امكاناتهم وتخصصاتهم العلمية. هناك من يناقش في الأمور بضلاعة وعمق بسبب فهمه واطلاعه وهناك من يناقش في الأمور بشكل سطحي وغير متخصص. وهذا امر طبيعي لأننا لم نُخلق جميعُنا لنتمكن من حصر كل الأمور. ولهذا تعددت اللجان التي تتشكل داخل مجلس الشورى مثل: اللجنة التشريعية والقانونية، ولجنة التربية والتعليم والبحث العلمي واللجنة الاقتصادية والمالية وغيرها. تضم كل لجنة أعضاء متخصصين او من المفترض ان يكون لديهم تخصص في ذلك المجال او على أقل تقدير لديه رغبة في سبر الاغوار او دراية ومعرفة لواقعه. وكلما كان اطلاع العضو بأعمال تلك اللجان عميقا وأكاديميا كلما استطاع ان يقيم القرارات المتعلقة بها او اقتراح او تقييم القرارات الحكومية حيالها. ومن تلك المعرفة تنبثق رؤيته الانتخابية التييعرضها على الناخبين لفهم مدى قدرة المرشح على تمثيلهم بشكل يتناسب مع طموحات الناخب.
اننا بين حلم يشطح بنا وواقع علينا ان نتعايشه ونتكيف معه نتخير المصطلحات التي تساعدنا كمواطنين وناخبين ومرشحين لفهم المسافة الطويلة التي تقبع بين مصطلحين: البرنامج الانتخابي والرؤية الانتخابية.. فنفعلها بشكل يتلاءم مع وضعنا الوطني. فلا ينبغي أن نجنح بتطلعاتنا التي قد لا تجد لها حظا في الواقع ولا نكبل طموحاتنا وقدراتنا التي تستطيع ان تنفذ عبر نافذة الوطن وضمن الهامش المتاح لترى النور.. ولهذا فعلينا ان نعيد النظر!