يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا……» «البقرة 143»
إن هذا التوجيه الرباني هو ما يجعل التطرف مبغوضا لدينا في مجتمعاتنا العربية والمسلمة، سواء في الأفكار أو الآراء أو السلوك أو غير ذلك، وهو ما جعل ديننا وسماحته سببا في إقبال الناس عليه بمجرد معرفتهم بنور اعتداله ووسطيته.
ونلاحظ أن تراثنا يعكس هذا التوجه القرآني، ليمتد تأثيره حتى في التعامل اليومي الشخصي مع الآخرين .
فيقول الإمام علي رضي الله عنه « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا».
فالاعتدال يمتد لسلوكنا الشخصي مع الحبيب أو العدو ، فالحبيب قد يتحول إلى عدو ، فيصبح الحب المتطرف مصدر ضرر لنا لاحقا. كذلك العدو قد يتحول إلى حبيب، والبغض المتطرف يمكن أن يتحول إلى عائق للعودة إلى بناء العلاقة من جديد.
ربما سبب التطرف على الصعيد العام أو الشخصي هو عواطفنا، والتي تأخذنا يمينا وشمالا إلى آراء وأفكار متطرفة تجاه المجتمعات البشرية الأخرى، أو الأفراد الآخرين في المجتمع نفسه، خاصة ممن لا نعرفهم معرفة شخصية قريبة أو وثيقة ، فننسى أن الحق لا يُعرف بالرجال؛ وإنما الرجال يُعرفون بالحق. لذا فإن التعاطف السريع هو من أعقد الأمور وأصعبها، لأن التعاطف تركيبة إنسانية، فالإنسانية جزء كبير منها مبني على التعاطف والعاطفة. لكن في موقع الحكم على الآخرين يصبح التعاطف مع أحد ودون الاستماع للطرف الآخر الغائب؛ معضلة كبرى في التعاملات اليومية، فعندما يؤمّل الإنسان في إنسان ما كل الآمال الجميلة، ثم يصدم فيه، يتحول هذا الحبيب إلى عدو بغيض، بقسوة الحقيقة المكتشفة.
التعاطف أو العاطفة سواء مع الناس أو أصدقائنا أو زملائنا، أو رؤسائنا في العمل أو موظفينا أو أزواجنا أو أبنائنا رغم كل جمالها وبهجتها في نفوسنا، ورغم كل الألوان الرائعة التي تضفيها على حياتنا، إلا أن جمالها وبهجتها لا تكتمل إلا بعقال العقل، كي لا تصبح هوى، يهوي بنا مرة يمينا ومرة شمالا، مرة في الحب الشديد، ومرة في البغض الشديد، وهذا هو التحدي الأكبر في حياتنا كي تكون نفوسنا صحية ومجتمعاتنا صحية، فما أجمل القول المأثور: «إن معي لبصيرتي».