حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
في الوقت الذي تواجه دول المنطقة تحديات سياسية واقتصادية ناجمة عن الأوضاع الاقتصادية العالمية والحروب التجارية وهبوط أسعار النفط واضطراب أداء الأسواق المالية بالإضافة إلى الأزمة السياسية الخليجية القائمة بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي، نجد في الوقت نفسه استمرار تدفق العمالة الوافدة إلى المنطقة بكثرة، وارتفاع قيمة التحويلات المالية المصدرة من دول المنطقة إلى أنحاء العالم. فدول مجلس التعاون الخليجي ما زالت تمثل نسبة 26.8% من إجمالي التحويلات العالمية وفق بيانات صندوق النقد العربي 2018.
فقد بلغت قيمة هذه التحويلات من دول المجلس 119 مليار دولار أمريكي في عام 2018 بتراجع قليل بنسبة 1.64% مقارنة بقيمتها عام 2017. والمنطقة ما زالت مصنفة على أنها ضمن دول المصدّرة بنسب عالية للتحويلات المالية للعمالة الوافدة العاملة في جميع القطاعات الاقتصادية. وهذه الأموال لا تضم المبالغ التي يتم إرسالها عبر قنوات غير معتمدة كالمصارف والشركات الرسمية لتحويلات الأموال والصرافة، وتلك التي يتم حملها مع المسافرين أثناء المغادرة إلى دولهم، بجانب كميات الذهب التي ترسل عبر قنوات مختلفة والتي لا يتم رصدها بواسطة الجهات المعنية. ويعتقد بعض الخبراء بأن قيمة هذه الأموال المرسلة عبر القنوات غير المعتمدة تتراوح ما بين 30 و40%. والإحصاءات المتوافرة تشير إلى أن أكثر الأموال والتحويلات المالية المرسلة من الدول الست تتجه إلى الهند وبنسبة تبلغ حوالي 55% من إجمالي الأموال، حيث تأتي هذه الدولة في المرتبة الأولى بالنسبة لقيمة الأموال المستلمة.
وهناك اليوم في المنطقة بعض المؤسسات التي تعمل خارج الإطار القانوني يرتكز عملها في تحويل الأموال مقابل مبالغ بسيطة، الأمر الذي يساهم في ارتفاع رصيد الأموال المحولة إلى الخارج بصورة غير رسمية، ونظرا إلى قلة التشريعات التي تعمل على جذب أموال المستثمرين في المنطقة وتراجع أسعار العقار والأسهم والسندات، فإن الأيدي العاملة الوافدة مستمرة في البحث عن إيجاد أفضل الوسائل في عمليات التحويل إلى خارج المنطقة الخليجية. وقد نفت الحكومات الخليجية مؤخرا عن وجود نية لفرض رسوم حكومية على تحويلات العمّال الأجانب عبر القنوات الرسمية بعد أن ثارت أقوال بأن المنطقة مقبلة على إصدار قوانين بدفع رسوم مرتبطة بتحويل الأموال إلى خارج المنطقة.
ولا ينكر أحد بأن الأيدي العاملة الوافدة في أي بقعة من العالم واغترابها هدفها كسب أكبر قدر من الأموال لإرسالها لاحقا إلى ذويهم، وأن فرض أي رسم بسيط على تحويلاتهم قد يؤدي ببعضهم إلى المغادرة، بجانب أن ذلك يدفع بانتشار القنوات غير القانونية في عمليات التحويل وبالتالي تحملهم للمخاطرة. فهناك اليوم على سبيل المثال في بعض الدول الخليجية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت 8 أجانب مقابل كل 2 من المواطنين بالرغم من وجود التشريعات التي تلزم بتشغيل العمالة للأعمال المطلوبة فقط، الأمر الذي يؤكد وجود خلل في الأنظمة الرسمية في وزارات القوى العاملة بجميع دول المجلس التي تسمح بوصول هذا الكم الكبير من العمالة التي تبقى بعضها متواجدا في الشوارع دون أي عمل. وهذا يؤكد وجود أشخاص ومؤسسات تقوم بشراء التأشيرات والمأذونيات بصورة أو بأخرى مقابل الدفع تحت الطاولة، الأمر الذي يتطلب تعزيز برامج الرقابة والتحري عن هؤلاء الأشخاص والمتعاملين معهم بصورة غير قانونية.
أرقام المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون تشير إلى أن إجمالي عدد سكان دول المجلس يبلغ 53 مليون نسمة، فيما يعمل أكثر من 20 مليون وافد في المنطقة ويمثلون ما نسبته 69.3% من إجمالي الأيدي العاملة، و90% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص الخليجي، الأمر الذي يزيد من التحويلات المالية سنوياً، ولكن مع بدء تطبيق بعض دول الخليج لضرائب جديدة، وزيادة الرسوم على أسعار الوقود والخدمات التي تقدمها الحكومات يتوقع الخبراء أن يكون لذلك تأثيرات مباشرة على التحويلات المالية للوافدين في المنطقة. ويأتي ذلك نتيجة الاعتماد الكبير للدول الخليجية على عائدات النفط التي تراجعت بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية، وأدت إلى عجوزات في موازناتها المالية السنوية، فيما تشكّل التحويلات المالية نحو 8.2% كنسبة للناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لدول المنطقة.
ووفقا لبعض البيانات تأتي المملكة العربية السعودية في المرتبة الأولى في المنطقة وثاني أكبر دولة بعد الولايات المتحدة الأمريكية في حجم تحويلات الأجانب وبواقع 38.9 مليار دولار، تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بنحو 32.7 مليار دولار، ثم دولة الكويت بنحو 15.3مليار دولار فيما تبلغ تحويلات الأيدي العاملة الوافدة من دولة قطر بنحو 12 مليار دولار تليها السلطنة بنحو 10.27 مليار دولار وأخيرا مملكة البحرين بنحو 2.4 مليار دولار.وعموما فإن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن التحويلات المسجلة رسمياً إلى البلدان النامية ستزيد بنسبة 10.8% لعام 2018 لتبلغ 528 مليار دولار، فيما من المتوقع أن تنمو التحويلات المالية على مستوى العالم، بما في ذلك التحويلات المالية إلى البلدان المرتفعة الدخل بنسبة 10.3% إلى 689 مليار دولار خلال العام الجاري. ومن المؤكد بأن تحتفظ الهند بالصدارة، إذ من المتوقع أن تبلغ تحويلات المغتربين إليها إجمالا 80 مليار دولار هذا العام، تليها الصين بنحو 67 مليار دولار ثم المكسيك والفلبين بنحو 34 مليار دولار لكل منهما، ثم مصر بنحو 26 مليار دولار.
وهناك اتجاه بخفض تكلفة التحويلات إلى 3% بحلول عام 2030 بدلا من 6.9% حاليا وهو مقصد عالمي في إطار الهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، والعمل على تشجيع استخدام التقنيات المنخفضة التكلفة بهدف تخفيف العبء على الزبائن الفقراء. ويشير مسؤولو البنك الدولي إلى أن النمو المستقبلي للتحويلات المالية ضعيف أمام انخفاض أسعار النفط، وسياسات الهجرة التقييدية، واعتدال المعدل العام للنمو الاقتصادي، في الوقت الذي نرى أن للتحويلات المالية تأثيرا مباشرا على تخفيف حدة الفقر للعديد من الأسر خاصة في الدول الفقيرة. إن اعتدال النمو الاقتصادي في المنطقة بسبب انخفاض أسعار النفط سيؤدي حتما إلى تراجع تدفقات التحويلات إلى الخارج خلال العام الحالي والأعوام المقبلة، خاصة وأن جميع دول المجلس تعمل على إحلال مواطنيها في بعض المهن التي يشغلها الوافدون حاليا، حيث يتم الاستغناء التدريجي عن هذه العمالة، وبالتالي يخفف الضغط على ميزان المدفوعات للدول الخليجية أيضا.
المصدر: جريدة عُمان