لا يختلف اثنان على أن الفساد في مؤسسات اية دولة ينجم عن سوء الإدارة والتخطيط وليس عن قلة الموارد والمقومات الطبيعية التي تزخر بها الدول. والفساد ينجم بسبب الحرص الذي يبديه بعض الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية والخاصة لمصالحهم الشخصية، واستخدام سلطتهم الادارية للتقرب من الفاسدين، الأمر الذي يزيد من الفساد خاصة إذا كانت أدوات الاشراف والرقابة ضعيفة أو غائبة عن ملاحقة الفاسدين.
واليوم تعاني الكثير من الادارات الحكومية في الوطن العربي من سوء التخطيط والفساد وفق بيانات منظمة الشفافية الدولية ببرلين، حيث لم يسجل معظم الدول العربية أي تحسن في مدركات الفساد التي تعاني منها، بل تراجعت بعضها في الترتيب عام 2022، فيما هناك عدة دول عربية في ذيل قائمة المنظمة في مجال الفساد.
ويرى بعض الخبراء أنه نتيجة لاستقطاب كوادر غير مؤهلة تأهيلا جيداً في مسؤولياتها وأعمالها التي تناط بها، فانها تعمل بأي صورة للحفاظ على وضعها، الأمر الذي يساعد على تفشي الواسطة والمحسوبية في القضايا الادارية والمالية، وبالتالي تتخبط تلك الادارات في عملية التخطيط واتخاذ القرار الحاسم تجاه القضايا المحالة إليها، الأمر الذي يضر بالخدمات التي تقدمها للعملاء والمواطنين.
والكل على علم بأن الفساد يعد ظاهرة إجرامية متعددة الأشكال ذات آثار سلبية على القيم الأخلاقية والحياة السياسية والنواحي الاقتصادية والاجتماعية، فيما ترى منظمة الشفافية الدولية أن الفساد هو استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة، بينما تصف منظمات أخرى الفساد بأنه إساءة استعمال الوظيفة للكسب الخاص.
فالفساد يعد واحداً من أخطر الظواهر السلبية في أي مؤسسة إذا لم تتخذ الإجراءات الكافية لردعه، وبالتالي هو يهدد الكثير من الأمور الحياتية اليومية ومصالح الناس، ولها تأثير قوي على المراكز والمؤسسات الرسمية في مجالات حيوية كالتعليم والصحة والإعمار والإنتاج وغيرها.
وهذا ما يدعو منظمات المجتمع المدني وإدارات الرقابة والمؤسسات التي تحمي الأموال العامة بمتابعة تلك القضايا للحد من مظاهر الفساد وتفعيل الرقابة وسن القوانين التشريعية لمحاسبة كل من تسوّل له نفسه بالاعتداء على المال العام، بالاضافة إلى توقيف الفاسدين من العمل في تلك المؤسسات. كما تحث إدارات الرقابة المالية والادارية لدى الدول بضرورة حسن اختيار الشخصيات للمناصب القيادية والادارية العليا، مع العمل على إجراء الاصلاحات وتحسين الأداء في المؤسسات العامة.
لقد حظيت ظاهرة الفساد خلال السنوات الماضية باهتمام الكثير من الباحثين والعاملين في مؤسسات المجتمع المدني وفي وسائل الاعلام، وطُرح الكثير من الآراء للحد من هذه الظاهرة ومعاقبة الفاسدين. كما حرص العاملون في مجالات الاقتصاد والأمن والقانون وعلم السياسة والاجتماع بمتابعة القضايا الناجمة عن ظاهرة الفساد وكيفية الحد منها لما لها من آثار سيئة على المجتمعات البشرية.
وعموما الفساد ناجم لعدة أسباب، أهمها غياب الإدارة الواعية التي يمكن لها التخطيط في كيفية استغلال الموارد المتاحة والأموال العامة، والابتعاد عن قبول المشاريع الفاشلة بحيث لا يؤدي ذلك إلى قبول الرشاوى والابتزاز للحصول على مناقصات غير عملية، وضرورة التوقف عن استغلال الوظيفة العامة في الحصول على مكاسب شخصية، وإن النتيجة النهائية لسوء التخطيط والفساد يؤدي دائما إلى تدني مستويات الرفاه الاجتماعي، وفشل مشروعات البنى التحتية الأمر الذي ينتج عنه إهدار الأموال والثروات، وعرقلة المشاريع الحيوية.