Image Not Found

روجيه جارودي..

د.طاهرة اللواتية – عُمان

[email protected]

«فإن رَفْض الجنود لأوامر قائدهم الفرنسي نَبَعَ من كونهم جزائريين مسلمين حالت أخلاقهم وعاداتهم من دون إطلاق النار على رجلٍ مسجونٍ أسير وأعزل، فكان ذلك التصرّف كافيا لي لنسف الصورة النمطية التي تُلقَّن للفرنسيين في المتروبول عن المسلمين المُتوحّشين في دول المغرب العربي التي تحتلها فرنسا».

هكذا أصبح روجيه جارودي الرجل المولع بالعلم والفكر، المسكون بالفلسفة والبحث عن غاية الوجود، والعدالة والإنسانية، الذي تربى على أم كاثوليكية وأب ملحد، والمتقلب بين البروتستانتية والشيوعية؛ أسيرا لجمال ونورانية الإسلام.

فيذكر: «إن انتمائي للإسلام لم يأت بمحض الصدفة، بل جاء بعد رحلة عناء بحث، ورحلة طويلة تخللتها منعطفات كثيرة، حتى وصلت إلى مرحلة اليقين الكامل، والخلود إلى العقيدة أو الديانة التي تمثل الاستقرار، والإسلام في نظري هو الاستقرار».

الاستقرار النفسي والعقلي والوجداني، وهو ما ذكره الله تعالى في سورة الرعد: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».

ويقول جارودي: «بدا لي الإسلام مثل حامل إجابة على أسئلة حياتي، لا سيما على ثلاث نقاط أسياسية بالنسبة للوعي النقدي لهذا العصر؛ فلم يزعم النبي محمد -عليه أفضل الصلاة والتسليم- أبداً أنه اختلق ديانة جديدة، لكنه يدعونا إلى العقيدة الجوهرية لإبراهيم -عليه السلام- ففي القرآن الكريم؛ موسى والمسيح نبيان للإسلام. كذلك الإسلام لا يفصل بين علم الحكمة وحكمة الوحي، العلم الإسلامي في ذروته -في جامعة قرطبة- لم يفصل البحث في الأسباب عن البحث في الغايات، بعبارة أخرى إنه يجيب عن السؤال «كيف» والسؤال «لماذا»، بهذه الكيفية يصبح العلم والأسلوب في خدمة تألق الإنسان، وليس تحطيمه بإثارة رغباته، وإرادة تسلط مجموعات أو قوميات. وفيما يتعلق بالوحي، فإنه لا يتعارض لا مع العلم ولا مع الحكمة، لكنه يعينهما على الوعي بحدودهما وبمسلماتهما».

ونرى تعمق جارودي في قراءة وتتبع الفكر الغربي الذي ولد ونشأ وترعرع فيه، فيقول: «الاستشراق لم يكن حركة نزيهة منذ البداية، إذ كان الهدف منه تنفيذ مشروع يرمي إلى إدخال المسلمين في النصرانية، لم يقف دور الاستشراق عند حد مساعدة الهيئات التنصيرية والاستعمار والإمبريالية على الهيمنة على أراض واسعة وأجناس متعددة، إنما ساهم كذلك في بناء أسس لمشروعية الأحكام التعسفية التي جعلها الغرب ذريعة لاستغلال الشعوب الأخرى، لهذه العلة لم تتم دراسة الإسلام في أوروبا من أجل الوقوف على حقيقته، بل اهتم به المستشرقون بأغراض الصراعات الأيديولوجية».

شغف جارودي كمفكر أصيل بحوار الحضارات والثقافات، وتمازجها الذي يقود إلى التنوع والفرادة الإنسانية فقال: «أظهر الإسلام شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة، فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد، وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره منفتحا على ثقافاتهم وحضاراتهم، والمثير للدهشة أنه في إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ليس فقط إعطاء إمكانية تعايش تمازج لهذه الحضارات، بل أيضا إعطاء زخم قوي للإيمان الجديد؛ أي الإسلام، فقد تمكن المسلمون في ذلك الوقت من تقبل معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وإفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له، وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قويا ومنيعا». رحمة الله عليك ياجارودي، فقد غادرتنا في هذا الشهر من عام ٢٠١٢ م.