ليس من المُستبعد أن يزيد إجمالي القروض الشخصية في البلاد خلال السنوات المُقبلة بعد صدور تعميم البنك المركزي العماني الأخير، بالسماح لكافة شركات التمويل والتأجير التمويلي العاملة بتقديم الإقراض الشخصي، بعدما كانت تلك الشركات تعمل في مجال تمويل بعض الأغراض التجارية، وخاصة في مجال تمويل السيارات.
ومن خلال النظرة السريعة لأسعار القيم المتداولة لأسهم بعض شركات التمويل والتأجير التمويلي في بورصة مسقط، نجد أنَّ الكثير منها قد تراجعت خلال السنوات الماضية، خاصة تلك التي تموّل عروض وقيم شراء السيارات نتيجة لتعثر أصحابها في الالتزام بدفع الأقساط المستحقة عليهم؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة أعداد الشيكات المرتجعة لهذه الشركات من جهة، وعدم قدرتها على مواجهة التحديات والالتزامات المالية المترتبة عليها سنويًا. ومع فتح المجال لها بتقديم القروض الشخصية، فسوف تتمكن من تجديد نشاطها المالي في هذا المجال، خاصة وأن تعميم البنك المركزي العُماني يوسّع من نطاق العمل المسموح لهذه المؤسسات التمويلية، من خلال قبول ودائع الشركات وبحد أدنى 5 آلاف ريال عُماني، وألا تتجاوز إجمالي الودائع في أي وقت من الأوقات القيمة الصافية لشركة التمويل والتأجير التمويلي.
ففي مجال الإقراض، جرى السماح لشركات التمويل والتأجير التمويلي بالدخول في التمويل العقاري، وتقديم القروض الشخصية لتمويل بعض المشاريع التجارية، وتقديم قروض للمطورين لتطوير المشاريع العقارية وبناء الوحدات السكنية، على أن لا يتجاوز إجمالي التمويل العقاري 50% من القيمة الصافية لتلك الشركات التمويلية؛ الأمر الذي سيعمل على تنشيط القطاع العقاري وتوفير مزيد من التسهيلات في مجال البناء الشخصي، وبذلك يقل الثقل على بنك الإسكان العماني وغيره من المؤسسات المصرفية في هذا الشأن من خلال السماح لتلك المؤسسات بتمويل عروض القطاع العقاري. كما تم السماح لشركات التمويل والتأجير التمويلي بمنح قروض شخصية للأفراد مع عدم مطالبتهم بتقديم ضمان أو رهن تجاه هذه التمويلات. وهذا الأمر سوف يساعد الفئة التي تنتظر في الحصول على القروض الشخصية من البنوك التجارية لفترات طويلة، خاصة أولئك الذين تقل رواتبهم عن 325 ريالًا عمانيًا، والذين تستبعدهم بعض البنوك في الحصول على القروض الشخصية نظرًا لقلة رواتبهم الشهرية.
لقد شهدت القروض الشخصية زيادة في قيمها خلال العقود الماضية، في الوقت الذي سجلت فيه مؤخرًا أكثر من 8.8 مليار ريال عماني (22.8 مليار دولار) مع نهاية الربع الثالث من العام الماضي، حيث بلغت نسبتها 38.6% من إجمالي حجم الائتمان المصرفي للبنوك التجارية في البلاد والبالغ 23.5 مليار ريال (61 مليار دولار) تقريبًا. ومنذ عدة عقود تشكّل القروض الشخصية المرتبة الأولى في الائتمان المصرفي في البلاد؛ حيث إن معظم أرباح البنوك التجارية والإسلامية تأتي من هذا البند؛ الأمر الذي يدفع المؤسسات المصرفية إلى تقديم الكثير من المزايا للراغبين في الحصول على القروض المصرفية وخاصة النخب وممن يتقاضون رواتب عالية، وبالتالي تضيع الكثير من فرص الادخار لدى الناس والمواطنين بسبب تلك الإغراءات.
ومع دخول المؤسسات وشركات التمويل في هذا المنحى، فإن ذلك سوف يخلق نوعًا من المنافسة في تقديم هذه القروض الشخصية للراغبين، في الوقت الذي لا يجب رفع الحد الأقصى للفائدة على القروض الشخصية عن 6% وفق تعليمات البنك المركزي العماني. وعمومًا فإن فتح المجال لشركات التمويل والتأجير التمويلي بتوسيع أنشطتها الإقراضية يُعزى إلى الأهمية التي توليها الدولة لدعم وتوسيع القاعدة التمويلية لمختلف الفئات، وتشجيع الاستثمارات الصغيرة لدعم توجهات الشباب في الحصول على القروض الصغيرة دون الالتزام بتقديم الرهون؛ الأمر الذي سوف يساهم في تعزيز أنشطة المشاريع التنموية الصغيرة وزيادة القيمة المضافة لها، وزيادة نسبة المساهمة في تمويل تكلفة المشاريع المطروحة، وتوسيع القاعدة التمويلية في مشروعات التنمية غير النفطية، الأمر الذي سوف يعزّز من النمو الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، ويسهم في توسيع القاعدة التمويلية وفي دعم التقدم الاجتماعي بالبلاد.
لقد حدد تعميم البنك المركزي العماني ألّا تتجاوز نسبة عبء الدين (الاستقطاع) للقروض الشخصية المقدمة من شركات التمويل والتأجير التمويلي عن 50% من صافي الراتب للذين تقل رواتبهم عن 1000 ريال عماني، ويجب أن يكون الغرض من القرض الشخصي غير متعلق بأعمال تجارية، مع وجود اشتراطات أخرى. كما تم السماح لهذه الشركات بتحديد ساعات العمل التي تراها مناسبة لأعمالها دون الإخلال بمتطلبات قانون العمل. وهذه المرونة سوف تساعد على إنجاز أعمال تلك الشركات وكذلك الدائنين في العمل بصورة نشطة، حيث يمكن لها العمل في جميع أيام السنة دون أخذ موافقة البنك المركزي.
عمومًا يجب معرفة أن القروض الشخصية هي قروض يمكن لأي شخص استخدامها في أي غرض شخصي، مثل التجارة والتعليم وتحسين المنزل والسفر والصرف على النفقات الطبية وغيرها. وفي معظم الدول تجد أن هذه القروض تعطى دون تقديم أي ضمانات أو ضامن للحصول عليها عكس ما هو معمول به في بعض الدول ومنها السلطنة.