استوقفتُ عند عرض مرئي لبعض مواقع التواصل الاجتماعي مُؤخرًا عن قيام أحد رواد الأعمال من مملكة الأردن الشقيقة، ببيع صناديق الربيان العُماني بحجم كيلوين من النوع الكبير من عربته وذلك بنصف سعر البضاعة المعروضة، وكذلك يقوم ببيع علب أسماك التونة العُمانية بنصف السعر، مؤكدًا في حديثه أنها وصلت للتو إلى العاصمة عمّان.
أمر جميل أن تباع مثل هذه المنتجات والسلع العُمانية في الأسواق العربية والأجنبية بهذه الأسعار الرخيصة، في الوقت الذي تسجّل فيه جميع المنتجات والسلع في العالم تضخمًا في أسعارها نتيجة لارتفاع أسعار الشحن والتأمين والنقل والفوائد المصرفية، ومشاكل في سلسلة التوريد ومخلفات ما بعد الجائحة، وتعرّض الدول لمشاكل البيئة وغيرها من القضايا الأخرى التي أدت إلى الارتفاعات المستمرة للسلع في العالم.
وما يُحيِّرنا أكثر من ذلك هو موضوع الأسعار السائدة لهذه المنتجات محليًا في المجمعات التجارية والمحلات التي تبيع المنتجات السمكية والأسماك بصفة عامة. فلماذا لا يتم تسويق وبيع تلك المنتجات بنصف السعر هنا في الأسواق المحلية أسوة بالخارجية؟ ولماذا يتم تصديرها للخارج لبيعها بنصف الأسعار؟ كما نتساءل أيضًا عن الخسائر التي تلحق بشركات الأسماك المحلية ومنها شركة الأسماك العمانية التي ما زالت تحقّق الخسائر عامًا تلو عام، وهي التي حصلت على الكثير من الدعم والحوافز من المؤسسات الحكومية منذ وقت إنشائها عام 1987 وحتى اليوم.
فقد تكبدت شركة الأسماك العمانية في العام الماضي 2022 خسائر بلغت 1.8 مليون ريال عماني (4.68 مليون دولار) وهي الخسارة الثانية بعد عام 2021 البالغة 1.6 مليون ريال (4.16 مليون دولار) حسب البيانات المالية للمدققين. والعامان السابقان تميزا بمشاكل كبيرة نتيحة لانتشار جائحة كوفيد 19، وما نتج عنهما من خسائر للكثير من المؤسسات التجارية الكبيرة والأفراد بجانب تعرض قطاع العقار للكثير من الخسائر أيضا. وهنا ربما نعذر الشركة في هذا الأمر إلا أن الخسائر متلاحقة للشركة قبل الجائحة بسنوات عديدة. ويبدو أن الخسائر مستمرة أيضًا خلال العام الحالي 2023، حيث تراجعت إيرادات شركة الأسماك العمانية خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 1.679 مليون ريال عماني وبنسبة انخفاض قدرها 56% مقابل 3.823 مليون ريال سجلتها الشركة خلال نفس الفترة من العام الماضي 2022، إلا أن الجميع يأمل أن يكون وضع الشركة ونتائجها المالية مختلفة للعام الحالي في إطار الخطوات التي اتخذتها مؤخرًا من خلال تعيين رئيس تنفيذي جديد للشركة لإعداد خطة تحول شاملة لتحويل الشركة إلى الربحية.
وهذه الخطة سيتم تطبيقها على عدة مراحل بدءًا من إصلاح الهيكل الداخلي للشركة، وبناء الكفاءة في جميع العمليات التشغيلية لها، ووضع خارطة للتنفيد والتحوّل إلى مزيد من الإنتاجية والتسويق، واتخاذها لتدابير لتحسين الكفاءة والربحية وتحقيق نتائج إيجابية في الأشهر المتبقية من السنة الحالية.
إن نجاح الشركات السمكية في تسويق المنتجات يحتاج إلى مزيد من النجاح الإداري وتطبيق أساليب الإدارة الحديثة في المبيعات والتسويق والاستراتيجيات التشغيلية وغيرها من الأساليب الأخرى التي يمكن أن تحقق الأرباح للشركات، بجانب الحد من التحديات التشغيلية والتسويقية التي تتعرض لها خلال أعمالها اليومية.
أما شركة الأسماك العمانية فيبدو أنها تتبع أسلوبًا إداريًا جديدًا من خلال قيامها مؤخرًا برفع دعوى قضائية ضد بعض أعضاء الإدارة التنفيذية السابقين لأسباب تتعلق بمخالفات لأحكام المنافسة غير المشروعة ضد الشركة، والأحكام المنظمة لعمل الإدارة التنفيذية الواردة، بالإضافة إلى مخالفة لقوانين التجارة وقواعد حسن الائتمان أثناء فترة عملهم بالشركة. وهذا يعني أنه في حال صدور أي حكم لصالح الشركة ضد هؤلاء الأشخاص، فإنه يترتب عليهم دفع التعويضات المالية لها، والتي تكون أيضا في مصلحة المساهمين بالشركة وخاصة صغار المساهمين بجانب الحكومة أيضًا.
إن قطاع الأسماك في السلطنة يجب أن يكون من القطاعات المهمة في عمليات التشغيل والإنتاج ويكون عونًا لأبناء الوطن من خلال توسيع مشاركة القطاع في التصنيع وإعادة تدوير المنتجات السمكية؛ الأمر الذي سيعزز من الاقتصاد الوطني للبلاد، وكذلك للأفراد من خلال تشغيل المئات بل الآلاف منهم في تلك المؤسسات.. عندئذ لا يُمنع أن تباع تلك المنتجات السمكية في أي مكان في العالم؛ سواء بأسعارها الحالية أو نصفها. وعلينا التذكير بأنَّ الكثير من المساهمين العمانيين الصغار تهافتوا منذ بداية تأسيس الشركة على شراء أسهم هذه الشركة ويأملون أن تحقق لهم بعض المنافع الآن.