Image Not Found

إنهيارإمبراطورية الديون

حسين بن عبدالخالق اللواتي

إمبراطورية الديون الدولارية هي إمبراطورية الأوراق النقدية المطبوعة من غير غطاء ذهبي، أو أي غطاء ضامن، إلا إستخدام القوة العسكرية القاهرة.

إنها إمبراطورية الديون الهائلة، أطلق عليها هذا الإسم الخبيران الإقتصاديان مايكل هدسون، وبيبي إسكوبار، لأن ديون الحكومة الأمريكية المعلنة، بسبب العجوزات المالية المتراكمة، في موازناتها السنوية، قد بلغت 32 ترليونا حتى الآن.

وهم بصدد زيادة هذا العجوزات السنوية إلى 40 ترليونا مع نهاية هذا العام، أي 2023م، وذلك على دفعتين؟

هذه الديون المعلنة لا تشمل عجوزات الميزان التجاري السنوية، وهي الآخرى لا تقل عن 25 ترليونا.

ولا تشمل ديون السندات الأمريكية السنوية.

ولا تشمل ديون الشعب الأمريكي نفسه للبنوك (Consumer Loans).

ولا ديون الشعب على شركات بطاقات الإئتمان مثل الفيزا (Visa) وماستر كارد (Master Card) وغيرها.

ولا تشمل الديون التعليمية (College Loans) للطلاب الجامعيين وغيرهم.

تخطط حكومة جو بايدن الحالية زيادة سقف ديونها المتراكمة في الميزانية الحكومية، إلى 40 ترليونا، مع نهاية هذا العام، وذلك بسبب تكاليف الحرب على روسيا تحت غطاء أوكرانيا، وبسبب الإستعداد للحرب على الصين، تحت غطاء تايوان، وبسبب توزيع المساعدات النقدية على الشعب الأمريكي، والشركات الأمريكية.

يتوقع أن يتم توزيع قرابة ترليون واحد آخر على الشعب، و 6 ترليونات أخرى على الشركات الكبيرة، للأسباب التالية:

  • التضخم الكبير بسبب النقص في السلع،
  • تحطم شبكات التوريد اللوجستية،
  • تدهور الإنتاج الصناعي والزراعي،
  • إنخفاض شديد في الطلب الكلي، بسبب زيادة أسعار الفائدة.

التضخم وفلتان الأسعار:

بدأ هذا التضخم في أسعار الصناعات نتيجة توقيف الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة، ونقل مصانعها إلى الصين والدول الآسيوية، للإستفادة من إنخفاض أجور الأيدي العاملة هناك، وعدم توفر أعداد كبيرة من المهندسين والعمال المهرة في أمريكا، إنتاج الآي فون (iPhone) والشرائح الإلكترونية (Semi-Conductors) مثالان لذلك، مما أدى إلى زيادة أرباح الشركات العابرة للقارات، وتضرر الصناعات تضررا كبيرا، مع إنتشار البطالة في الولايات المتحدة، وإرتفاع أسعار المنتجات الصناعية ومصاريف الشحن.

ونفس ذلك حصل مع الإنتاج الزراعي، الذي تدهور في الداخل، بسبب نقله إلى البرازيل والمكسيك ودول أمريكا اللاتينية، فإرتفعت أرباح الشركات الكبيرة، ولكن تضرر الناتج الزراعي، وزادت أسعاره، وتولدت بطالة كبيرة في الأيدي العاملة الزراعية.

الحرب التجارية الترامبية:

ثم جاءت الحرب التجارية، التي شنها الرئيس السابق دونالد ترامب بكل ضراوة ضد الصين، ففرض على صادرات الصين مئات البلايين من الدولارات سنويا، بنسب تزيد على مائة بالمائة من الرسوم الجمركية، وذلك لتحطيم التجارة الصينية العالمية، فتأثرت الحركة التجارية، وزادات أسعار السلع في الداخل إرتفاعا كبيرا، مما زاد التضخم، وإختفت مواد إستهلاكية مهمة من رفوف المتاجر الكبيرة، مثال ذلك إختفاء حليب الأطفال.

وبسبب هذه الحرب والمقاطعة التجارية الترامبية توقفت الصادرات والواردات، وإنقطعت الخطوط اللوجستية، وزادت أسعار النقل، وتكدست الحاويات الخالية في الموانئ الامريكية الكبرى، فكانت مذبحة تجارية مازالت مستمرة.

والعجيب لإنه لا يمكن مقاطعة المنتجات الإستهلاكية والصناعية والغذائية الرخيصة من الصين، لأنها رخيصة وكثيرة وهامة، فإضطرت أمريكا إلى شراء نفس هذه المنتجات الصينية، ولكن بطريقة غير مباشرة، من المكسيك وفيتنام والهند ولاوس وإندونيسيا، ودفت أسعارا أعلى بسبب هذا الإستيراد غير المباشر، وبسبب زيادة تكاليف النقل والتخزين.

فزادت أسعار السلع التجارية، بجانب أسعار السلع الصناعية والزراعية، بجانب زيادة الضرائب الجمركية، بجانب زيادة أسعار النقل فالتخزين فالتأمين، بجانب الـتأخر في وصول البضائع، كل هذا زاد من التضخم، والذي ما زال يزيد كل يوم، بسبب الحرب التجارية الترامبية أولا، ثم مواصلة بايدن لنفس الحرب والمقاطعات والضرائب المرتفعة، ثم الشراء غير المباشر.

وزاد الرئيس ترامب من شدة حربه على الصين ومقاطعة الصناعات الصينية، والنموذج الأوضح لذلك هو حربه على شركة هواوي، بسبب زيادة مبيعات هواتفها النقالة عن مبيعات آي فون، فمنع بيع جميع هواتفها، ومنع بيع نظامها للإنترنيت من الجيل الخامس (5G)، ومنع بيع كل منتجاتها من شبكات ومعدات الهاتف النقال، ومنع بيع برامج التشغيل لها، ومنع بيع البرامج الهامة من كل نوع، ووصل إلى درجة سجن بنت صاحب الشركة لمدة ثلاث سنوات في كندا.

وبعدها تم فرض كل هذه المقاطعات والمنع على كل الشركات الصينية الهامة والكبيرة.

وإستمر على هذه الحروب الريس الجديد جو بايدن، الذي أبقى المقاطعات التجارية، بل زاد ويزيد عليها كل يوم، مما يزيد من الأسعار وبالتالي التضخم، وإنقطاع خطوط نقل البضائع واللوجستيات، بالتالي إختفاء بضائع صينية هامة ورخيصة وذات جودة عالية، من صفوف المحلات والمخازن.

التضخم بسبب مقاطعة 1النفط والغاز الروسي:

وهذه غلطة أخرى شديدة وقع فيها النظام الأمريكي، حيث قاطع النفط الروسي الرخيص، والغاز الروسي الرخيص جدا، والسهل الحصول عليه، بسبب خطوط الأنابيب الدولية والبحرية.

ولم يقتصر الأمر على المقاطعة، بل تم تفجير خطوط الغاز الدولية هذه، وإستخدام أجهزة التجسس الخفية في التخربب، وهي جرائم حرب، وربما حتما ستؤدي إلى حرب نووية لا تبقي ولا تذر.

وبسبب مقاطعة النفط والغاز والمعادن الهامة الروسية إرتفعت أسعار الطاقة والكهرباء النظيفتين أكثر من مائتين بالمائة، وتؤدي إلى إغلاق مصانع هامة جدا في ألمانيا، وتأثر شديد في إنتاج وتجارة الحبوب والمواد الغذائية، من أوكرانيا وروسيا، فزادت الأسعار زيادة كبيرة، وما زالت تزيد، ما دامت الحرب مستمرة.

وهنا إرتكب ويرتكب النظام الأمريكي خطأ رابعا كبيرا، بجانب إقفاله لمصانعه ومزارعه منذ سنوات، والحرب التجارية مع الصين، والحرب التأصيلية مع روسيا، وهو خطأ رفع أسعار الفوائد البنكية، حيث رفعت الفوائد لعشر مرات متتالية حتى الآن، في غضون مدة قصيرة، لا تزيد عن سنتين.

هذا الرفع للفوائد البنكية، يؤدي إلى إنكماش السيولة في أيدي الناس، مما يؤدي إلى خفض الطلب الكلي، مع وجود خفض كبير سابق في العرض الكلي للبضائع والسلع، بسبب الحروب التجارية، وقطع خطوط النقل التجاري، وعدم الإنتاج داخليا، والبطالة المتزايدة، فينخفض العرض الكلي مجددا، لعدم وجود السيولة والقدرة المالية.

والحل هو زيادة القدرة الشرائية، وليس خفصها، لزيادة عرض البضائع، لأن المشكلة هي مشكلة العرض، وليس السيولة، لتنخفض الأسعار مع زيادة العرض للسلع الحقيقية، فينتهي التضخم الذي يزيد يوما بعد يوم، وربما يؤدي إلى الكسادات وبالتالي إلى الجوع، ومعانات الطبقات المتوسطة والفقيرة، سواء في الولايات المتحدة، وأوروبا، والدول الفقيرة، في كل مكان.
حق.