الرؤية- فيصل السعدي
◄كتاب ومختصون: لا غنى عن تعميق حُب القراءة في نفوس النشء
◄اللواتية: دور مؤثر للوالدين والمدرسة في مساعدة الطفل على القراءة
◄فادية: أُفضل أسلوب القصص والدراما في تعليم الطفل.. لا أسلوب التلقين والمحاضرات
◄أمل فرح: الكتابة للطفل مسؤولية ومهمة صعبة
◄العبرية: القراءة تبني شخصية الطفل وتساعده على التحكم في مشاعره
تحتاج الكتابة للأطفال إلى متخصصين يتمكنون من طرح الأفكار وسرد القصص والحكايات وغرس القيم والتقاليد بأسلوب سهل ومبسط يجعل النشء منجذبا لمثل هذه الكتابات التي قد تكون مدعومة في بعض الأحيان بالوسائط الأخرى مثل الصور أو الألغاز التفاعلية، كما أنه في ظل التقدم التكنولوجي تطور أسلوب الكتابة للأطفال واستخدمت العديد من الوسائل التي تساعد أولياء الأمور والمدارس والتربويين في الوصول إلى قلوب هذه الأجيال الصغيرة.
وتقول الدكتورة فاطمة اللواتية، كاتبة عمانية وصاحبة دار”مياسين” وناشرة في مجال أدب الطفل، إنها توجهت لمجال الكتابة للطفل بالإضافة إلى الكتابة العامة لكن على نطاق ضيق، لافتة إلى أن دراستها في الولايات المتحدة أتاحت لها الفرصة للاستفادة من التجارب الأجنبية وجلب هذه الوسائل إلى الدول العربية.
وتضيف: “مشاركة مياسين في معارض الكتاب الدولية جاءت متأخرة رغم أن الدار أنشئت في عام 2016، ولقد شاركنا في مهرجان الشارقة القرائي للطفل، وفي معظم معارض الكتاب الخليجية التي أقيمت في العام الماضي بالإضافة المشاركة المستمرة في معرض مسقط الدولي للكتاب، وإصداراتنا أصبحت أكثر رواجا بعد المشاركات المتعددة في المحافل الدولية والإقليمية لتحظى الدار بإقبال واسع من الجمهور، وما يزيدنا عزما وطموحا في تقديم الأفضل والشعور بالفخر حينما نرى الطفل العماني يأتينا ليسأل عن الإصدارات الجديدة”.
وتتابع: “أصدرنا سلسلة جديدة للطفل العربي في فترة معرض مسقط الدولي لعام 2023 تحت عنوان “كنت ثم صرت”، وتأتي هذه السلسلة لتبين قدرة الله للطفل، ونحن نهتم بأن تكون قصصنا متضمنة معايير القصة الجيدة وأيضا نحاول أن نضع كتابا جيد المحتوى واللغة إلى جانب اهتمامنا بالرسومات ونوع الورق المستخدم، لأننا نؤمن بأن جميع هذه الأمور تسهم في تنمية ذائقة الطفل الفنية”، مشيرة إلى أن عدد القصص التي أصدرتها “مياسين” تصل إلى 40 قصة قصة منها 32 قصة من تأليفها الشخصي، إذ تضمنت القصص سلاسل من عدة كتب تحت عنوان واحد، كما أن قصة “حلمت مريم وصار الحلم حقيقة” حققت مبيعات واسعة في إحدى الدول الخليجية بينما حققت كل من قصة “يوم ضاعت فاطمة” وقصة “أنا مثل أبي” مبيعات كبيرة في السلطنة.
وترى اللواتية أن الكتب تختلف من عصر إلى آخر، وأن بعض الكتب قد تناسب جيلا معينا ولا تناسب جيلا آخر، موضحة: الذائقة البشرية تتأثر بما حولها من متغيرات بيئية وحضارية، فمثلا نلاحظ ذلك على ديكورات البيوت، ففي وقتنا الحاضر تختلف الديكورات تماما من حيث براحة وسعة المكان والإضاءة والأثاث وغيرها من مكونات البيوت التي سبقتها قبل أعوام قليلة، فالإنسان هو نتاج البيئة التي يعيش فيها، لذلك فكلما أحسنا في جمالية ما نقدمه للطفل من حيث المحتوى والرسومات وغيرها من الفنيات فإننا بذلك نرفع من الذائقة الأدبية للطفل”.
وتلتفت إلى وجود العديد من التحديات التي تقف وراء عدم استمرارية الطفل في القراءة، إذ إن الوالدين والمدرسة من أكبر هذه التحديات حسب رأيها الشخصي، مبينة: “لا أعتبر أن التكنولوجيا هي التحدي والعائق؛ فالتكنولوجيا ليست سوى وسيلة إن أحسنا استخدامها فسوف تعود علينا بمردود حسن، لكن التحدي الأساس هو وعي أولياء الأمور والمدارس بكيفية تفعيل هذه التكنولوجيا بحيث تصبح عاملا إيجابيا ومؤثرا، وحينما تدرك المدرسة ويدرك الوالدان دورهما ويأخذانه بشكل جدي ومدروس حينها لا يمكن للتكنولوجيا أن تبعد بين الطفل عن الكتاب، والكثير من أولياء الأمور أهملوا في تربية الأبناء عبر أساليب الحديث والقصص المفيدة”.
من جهته، يقول الدكتور غياث مكتبي صاحب دار المكتبي التي تفرع منها براعم المكتبي، إن إصدارات الدار ركزت على كل ما يفيد الأطفال وتثقيفهم، مضيفا أنه من إنشاء الدار عام 1993 يأتي الآباء ليقتنوا لأبنائهم من إصدارات الدار التي تتميز بالتنوع في المحتوى.
ويوضح: “المكتبة نشرت لكتاب عمانيين مثل الكاتبة بسمة الخاطري التي نشرت 4 كتب كما يوجد 5 كتب بصدد الطباعة، وهذا دليل على استحسان القراء لكتبها التي نالت روجا كبيرا”، مضيفا أن سر قدرته على الكتابة للطفل هو حبه للقراءة منذ الصغر وشغفه بالبحث عن مؤلفات كبار الكتاب الذين تأثر بهم”.
ويعارض المكتبي فكرة التأثير السلبي للتطور التكنولوجي على الكتب المطبوعة، موضحا: “لم يؤثر هذا التحول والتطور على الكتاب، وأن الكتاب بجماله وإبداعاته ورونقه المتجدد ما زال موجودا على الساحة وله الأسبقية؛ وذلك لأننا نحن البشر نحب ونميل إلى أجناسنا، بمعنى أننا خلقنا من تراب والكتاب مصنوع من تراب ولحاء الشجر، وهذا السر وراء الشعور بالحميمية عند ملامسة الكتب، بدليل استمرارية معارض الكتب الدولية من معرض مسقط والشارقة والرياض وغيرها من المعارض العربية للكتاب”.
ويؤكد أن مجموعة كبيرة من إصدارات الدار تم اعتمادها لدى وزارة التربية في العديد من الدول العربية.
وتشير الدكتورة فادية محمد دعاس مستشارة تربوية وكاتبة أدب طفل، إلى أن بداية كتابتها للأطفال كانت من خلال عملها كمعلمة، وكانت أول مجموعة قصصية أكاديمية وتربوية من حصة دراسية، مبينة أن الأطفال كانوا سبب العصف الذهني وإشعال شرارة الكتابة وإخراج ملكة الكتابة لديها، وذلك بإصرارهم على التعلم بطريقة تناسبهم ورفضهم لأسلوب التلقين والمحاضرات التي لا تناسب فعليا نمط تفكيرهم واحتياجاتهم، ولذلك لجأت لاستخدام أسلوب القصص والدراما في التعليم وتيسير التعلم للأطفال .
وتنصح دعاس باتباع أسلوب التربية بالقدوة لا بالفرض والأمر، وبالتحليل للمواقف والتفكر للوصول إلى العبرة واكتشاف الحقائق والأجوبة لتساؤلات عقل الطفل، لأن هذه الطرق تكون فاعلة وتؤتي أكلها، مضيفة أنها نجحت في فن آخر من فنون أدب الطفل وهو تحريك الدمى والتمثيل والأداء الصوتي، مع كتابة قصص الطفل، وأن كل ذلك يساهم في تربية الطفل بشكل صحيح.
وشاركت الكاتبة فادية في العديد من المحافل الثقافية، مثل مراكز الأطفال ومدينة الطفل في الشارقة، ثم اتجهت خلال فترة كورونا إلى منصات التواصل الاجتماعي لتستكمل مسيرتها مع الأطفال حول العالم العربي، إذا شاركت أطفال سلطنة عمان من خلال منتدى مملكة الطفولة بولاية عبري وقبلها من خلال معرض مسقط للكتاب.
وفي البحرين، شاركت دعاس من خلال معرض الكتاب ومنصة الإبداع، وفي الكويت أيضا من خلال منظمة تمكين المرأة والطفل ومدرسة أكاديمية الإبداع، وفي المغرب العربي من خلال أكثر من مدرسة ومهرجان أكلان للطفل، بالإضافة إلى فلسطين من خلال مسرح كنعان ومؤسسة قطان للمعلمين، إلى جانب المشاركة بالدمى والوصول إلى الأطفال المغتربين في كندا وأستراليا وأمريكا.
ووصلت كتابات “فادية” المطبوعة في قصص منفردة ومجموعات قصصية إلى 58 قصة، منها 48 في ثلاث مجموعات وهي: قصص الحروف العربية مجموعتان وقصص تخاطر مشاعر مجموعة، و20 قصة قصيرة وقصص منفردة منها: قوة اللون في الكون، الفراشة رشا، لي لي ولالا، الهدهد والشجرة، مشاعر ميرا، هدية جدتي، والإصدار الأخير لقصة كالمبا.
وتبين الكاتبة أن “قصص الحروف العربية” هي الأكثر مبيعا بمعدل 3 طبعات خلال 5 سنوات، كما أنه بمجرد صدورها وعرضها في معرض مسقط الدولي للكتاب نالت استحسان القارئ العماني، وقيام عدد كبير بشرائها من وزارة الثقافة، في حين أن القصة الثانية الأكثر مبيعا هي “التاجر الصغير”.
وتعتبر دعاس أن هناك اختلافا بين الأطفال في الزمن الماضي وهذا الزمن، وأنه يجب اتباع مقولة “ربوا الأطفال لزمان غير زمانكم”، موضحة: “يرجع هذا الاختلاف إلى اختلاف الزمن والمجتمع المحيط بالطفل، وأنصح المربين بتقبل وفهم الأطفال في كل زمن من خلال التركيز على الأساليب التعليمية والتثقيفية التي يستوعبها طفل يعاصر السرعة والتطور، وهذا هو السر في إيجاد التواصل الدائم وسد الفجوة بين الأجيال، ولقد كانت نافذتنا على العالم الكتاب الورقي وساعات محدودة من مشاهدة برامج الأطفال، أما الآن فالنوافذ الإلكترونية والشاشات والمنصات والعالم الرقمي فقد انتشر وتيسر بشكل رهيب وميسر وسريع أمام الأطفال بل والجميع، وأصبحت المعلومة متوفرة بضغطة واحدة، وأصبح الكتاب الورقي غير ملفت للقراءة، وما ينقصنا فعليا أن نفهم احتياج الأطفال والتواصل معهم بأسلوبهم ولغتهم الرقمية السريعة والمتطورة، وعلينا أن نكثر من الحوار النوعي معهم وأن نتوصل للغة تواصل معهم حسب الفئة العمرية، فمثلا الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة نبدأ معهم بمناقشة الرسم واستخدام كلمة دلالية واحدة، ثم نتدرج معهم إلى كلمتين في جملة أو وصف قصير مباشر ونعطيهم المجال للحوار واستخراج الفكرة التي تترجم لكلمات وبذلك نثري لغته ويشعر بأنه قادر على التواصل مما يكسبه ثقة ومحبة فينجذب للقراءة حيث أنه يشعر بسعادة الإنجاز والفهم والتقبل”.
وفي هذا السياق، تقول أمل فرح كاتبة أطفال وخبيرة تربوية، إنها تحب الكتابة منذ كانت في سن المدرسة وشاركت في العديد من المحافل الدولية وعملت في المجال الصحفي، وركزت على كتابة القصص للأطفال وأدب الأطفال وما يمكن تقديمه لهم في هذا العمر بعد أن أنجبت ابنتها الأولى.
وتضيف: “أول كتاب لي كان في عام 2001 تحت اسم “غزال وصياد”، ولم تقتصر أعمالي حول كتب الأطفال فقد عملت في كتابة مسرح الطفل وكتابة أغاني مسلسلات وأفلام الكرتون، وراهنت على نجاح كتبي عبر استخدام الجمل القصيرة لكي تصل الفكرة بأقل الكلمات الممكنة، وفي عام 2014 أسست دار نشر “شجرة” بالشراكة مع زوجي الفنان مجدي الكفراوي والتي تم عرض إصداراتها في مهرجان الشارقة للكتاب في عام 2015″.
وتشير فرح أنه تم نشر 40 كتابا لها خلال 30 سنة في مجال الكتابة ما عدا العمل في كتب المناهج المتخصصة في التعليم، مؤكدة وجود اختلاف بين أطفال الجيل الماضي وأطفال هذا الجيل في الوعي والمعرفة والقدرة على التحليل.
وتتابع: “في الماضي ومع قلة الفعاليات الثقافية لكن كان هناك تفاعل بين القارئ والكاتب، بعكس الحاضر فمع كثرة الكتب وزيادة الفعاليات الثقافية إلا أن الكثيرين يقرأ من باب الفضول لكي يعرف ملامح عامة عن القصة وتفاصيلها، ومع ذلك فإن الكتاب الجيد الناجح لا يعيق وصوله إلى يد الطفل، ولكن العائق هو توفير الكتب قريبة من نظر الأطفال وتعويدهم على القراءة مثل قراءة الآباء، لأن القصة لها تأير على الطفل وتجعله يقبل على القراءة”.
وترى أن الكتابة للطفل تعد مهمة صعبة لأنها تحتاج إلى إعداد كاف وخبرة مسبقة، وأن يكون الكاتب مسؤولا ومدركا لما يكتبه وينشره للأطفال، مع عدم السماج لأي شوائب قد تؤثر على عقل الطفل.
أما نوار علي العبري- كاتبة في أدب الطفل- فقد اكتشفت شغفها في الكتابة للطفل من خلال متابعتها لمتخصصين في مجال الطفل، وحرصها على حضور مهرجان الشارقة للطفل، لتنشر عملها الأول “أنت الرسالة” في عام 2021.
وتقول: “لدي العديد من الكتب بمعدل كتاب كل سنة تقريبا مثل أمير الدمى، طوق نجاة، قبعات خيوط الشمس، وأنت الرسالة، وهذا الأخير لقي انتشارا واسعا وقويا لأنه يغرس في الطفل مفهوم الإنسان الرسالة، وعملت على كتابة القصة الأخيرة ضمن مشروع قصص الهيئة العامة لسوق المال في سبيل غرس مفاهيم الثقافة الاستثمارية والتأمينية”.
وتحدثت العبرية عن بعض الأساليب التي تشجع الأطفال على القراءة، مثل اقتناء الكتب لهم منذ الصغر وإدخالها بين ألعابهم، وقراءة القصص المفيدة لهم قبل النوم، كما تنصح بالعمل على توفير مكتبة خاصة للطفل فتكبرمكتبتهم معهم، فالقراءة تسهم في تكوين شخصية متزنة للطفل وتساعده على التوازن النفسي.