أدت جائحة كوفيد- 19 إلى تضرر العديد من اقتصاديات العالم، فيما أثر تراجع أسعار النفط والأجواء الجيوسياسية والحروب ومشاكل سلاسل التوريد على أسعار الكثير من السلع والخدمات، الأمر الذي نتج عنه تعطل بعض الأعمال وزيادة عدد المُسَرحين والعاطلين عن العمل بجانب التضخم في الأسعار. وهذا ما أدى بالمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة على العمليات المصرية في خطوة مماثلة اتبعها الكثير من البنوك المركزية العالمية لاحقاً.
واليوم تحاول الدول إعادة البوصلة من خلال العمل بسياسات اقتصادية ومالية لمواجهة التضخم وارتفاع المديونية وتراجع التصنيف الائتماني المالي لها. وتعتبر سلطنة عمان من الدول التي شهدت تراجعاً في تصنيفها الائتماني خلال فترة تراجع أسعار النفط والتأثيرات الناجمة عن ذلك، حيث ارتفع حجم المديونية إلى 21.5 مليار ريال عماني، إلا أنه تراجع اليوم نتيجة الالتزام المالي للحكومة في دفع مستحقات المؤسسات المالية وفوائد الخدمة المترتبة عليها ليصل إجمالي الدين العام إلى 16.6 مليار ريال عماني، وكنسبة 37 % من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام الجاري 2023م، الأمر الذي يؤثر بصورة مباشرة على الحركة المصرفية والمالية في البلاد.
وقد أشار الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني طاهر بن سالم العمري في ندوة مصرفية مؤخراً إلى قرار وكالة ستاندرد آند بورز برفع التصنيف الائتماني لعمان إلى BB مع نظرة مستقبلية مُستقرة إيجابية في ظل استمرار تحسن الأداء المالي، موضحاً أن أي تصنيف سواء كان من المؤسسات الائتمانية أو التقييم الائتماني والمستثمرين يساعد القطاع المصرفي في مواجهة التحديات باعتباره من القطاعات الأساسية التي تسهم في عملية التصنيف الائتماني، في الوقت الذي ينظر إليه المستثمرون بشكل جدي ومهم من حيث تأثير ذلك على السوق المالي والقطاع المصرفي بشكل عام. ويرى أن هناك العديد من التحديات التي تواجه القطاع الخاص في هذا الشأن تتعلق بتوفير السيولة المطلوبة والاشتراطات التي تطلبها بعض البنوك التجارية لضمان عمليات الائتمان التي تقدمها للمؤسسات والشركات والأفراد.
التصنيف الائتماني الأخير لعمان من قبل وكالة “ستاندرد آند بورز” جاء نتيجة للإجراءات التطويرية للحكومة العمانية في عدد من الجوانب المالية والاقتصادية التي تساهم بصورة مباشرة في تعزيز المركز المالي لها، مع رفع المكانة الاقتصادية للمقدرات الاقتصادية التي تساعد على مواكبة التطورات والمستجدات التي تشهدها تقلبات أسواق النفط، حيث تتوقع وكالة بأن يبلغ متوسط نمو القطاع غير النفطي لعُمان نحو 3.5 % خلال الفترة 2025- 2026م.
هذه الإجراءات التي تتخذها الحكومة العمانية لتحسين أدائها المالي ستعمل بلا شك على دعم النمو الاقتصادي بجانب خفض حجم الدين العام، في الوقت الذي تشهد فيه الساحة العمانية تأسيس العديد من المشاريع المجدية سواء من قبل الدول الخليجية الشقيقة، أو تلك التي تأتي في إطار الاستثمار الأجنبي.
إن تحسن التصنيف الائتماني يؤدي إلى تراجع الضغوطات المُمارَسة على البلاد في حالات رغبتها في الحصول على التمويل الخارجي، ويساهم في تحفيز بيئة الاستثمار والأعمال، وتنشيط القطاعات الاقتصادية المختلفة، كما يعطي الثقة للبنوك العالمية والمحلية في تقديم القروض لتمويل المشاريع في البلاد، في الوقت الذي يلعب فيه تحسّن أسعار النفط العالمية دوراً إيجابياً في تعزيز المشاريع الداخلية وتوفير مزيد من فرص العمل للمواطنين.