ها هي الصين تنجح في إجراء أول معاملة في شراء الغاز الإماراتي بعملتها المحلية “اليوان” وفق ما أعلنت عنها بورصة شنغهاي للبترول والغاز الطبيعي قبل أيام مضت. فالخبر المنشور أشار إلى إنجاز هذه المعاملة بين شركة الصين الوطنية للنفط البحري “كنوك” وتوتال إنرجيز لاستيراد شحنة الغاز الأولى بنحو 65 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال. تفاصيل هذه الصفقة لم تنشر جميعها، إلا أن الحدث يعتبر من الأمور التي توقعها البعض، حيث تعمل الصين جاهدة في تسوية بعض المعاملات الخاصة بعملتها المحلية “اليوان”.
فقد بدأت الصين اعتماد هذه السياسة في المجال الاستيراد والتصدير لبعض السلع بهدف كسر احتكار تداول الدولار في تلك المعاملات الدولية من جهة، وترسيخ مكانة عملتها في هذه التعاملات التجارية الدولية من جهة أخرى. وهذه الخطوة تعتبر من الخطوات التي سوف تحدّ من هيمنة الدولار على التجارة العالمية خلال السنوات المقبلة- كما يتوقعها البعض- حيث أن الاعتماد عليها أدى إلى ضرر بعض الدول، خاصة تلك التي تصدر بحقها قرارات أمريكية بفرض مقاطعة اقتصادية في معاملات البيع والشراء والتوقف عن إجراء المعاملات المالية والمصرفية عبر حسابات “سويفت” التي تتحكم بها أمريكا في جميع حالات تحويل الأموال.
لقد اثارت الصين موضوع استخدام عملتها المحلية مع عدد من الدول في المنطقة الخليجية والعالم خلال السنوات الماضية، حيث تم بحث هذا الموضوع خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للعاصمة السعودية في شهر ديسمبر من العام الماضي 2022 في الوقت الذي ترغب فيه التعامل معها عبر بورصة شنغهاي التي تعد منصة كبيرة لتسوية المعاملات التجارية العالمية بواسطة العملة الصينية.
فالمعاملة الأخيرة لشراء الغاز الطبيعي المسال الاماراتي بعملتها المحلية (اليوان) تؤكد توجه الصين بتعزيز هذه العملة على الصعيد الدولي خاصة مع دول المنطقة، نتيجة لحاجتها المستمرة لمصادر الطاقة لإنجاز مشاريعها الصناعية الضخمة، وتلبية متطلبات المؤسسات الصينية التي تعمل في مختلف المجالات والخدمات الاقتصادية والصناعية والتنموية.
إن الصين باعتبارها قوة اقتصادية عالمية قادمة لا تتوقف عن إثارة قضية تسوية مدفوعات التجارة بعملتها المحلية مع العديد من الدول، فيما أعلنت عدة دول خليجية بالمنطقة بجانب إيران والعراق بأنها منفتحة على الصين في رغبتها في إجراء عمليات التجارة بعملات أخرى غير الدولار، مع إعطاء الأهمية للعملة الصينية، بالاضافة إلى رغبتها في مواصلة التقارب السياسي معها، بحيث أصبحت بعض الشركات الصينية الوطنية والحكومية من كبار موردي النفط الخام الخليجي خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى توقيع عدة عقود معها لبناء بعض مجمعات تكرير النفط والبتروكيماويات في مقاطعات صينية مهمة، الأمر الذي يؤمن للصين مصدراُ مهماً للطاقة على المدى الطويل. كما يعطي الفرصة للشركات الخليجية أن توسع تلك العلاقات مستقبلا لتعزيز شراكتها في إنشاء مشاريع الطاقة المتجددة بالاضافة إلى العمل في إنشاء مشاريع الاستخدامات السلمية للطاقة النووية والصناعات الكيماوية.
إن الصين تبدي رغبتها المستمرة في تعزيز تلك العلاقات في مجالي النفط والغاز بجانب رغبتها الكبيرة في إنشاء مناطق تجارية حرة بينها ومنطقة الخليج في إطار إعادة طريق الحرير الجديد، الأمر الذي سيعزز التعاون الاقتصادي والتجاري والثقافي معها في المرحلة المقبلة.