أثيرت العديد من القضايا التي تهم المجتمع المدني والمؤسسات والشركات والحكومة في المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية الذي عقدته جريدة “الرؤية” تحت عنوان “نحو إطار متكامل للتخطيط والمسؤولية”، ونركز هنا على قضية الأثر الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية “CSR” التي تتبناها المؤسسات في العالم.
فهذه المسؤولية تعد ضمن آليات التنظيم الذاتي التي يمكن من خلالها العمل على التزام المؤسسات بالقوانين والمعايير الأخلاقية والدولية تجاه المجتمعات والمؤسسات المحلية، وذلك عن طريق تشجيع نمو وتطور المجتمع في مختلف المجالات.
وهنا نرى الكثير من المؤسسات والشركات العمانية تبدي اهتمامها تجاه قضايا المسؤولية الاجتماعية، وخاصة في السنوات الأخيرة. وهناك التزام من قبلها في العمل بالمسؤولية الاجتماعية وترقية الأعمال الخيرية والاستثمار في المجتمع المحلي من خلال توجيه بعض الأموال النقدية والموارد المالية إلى الأنشـطة التي تعمل على التلاحم بين أفراد المجتمع وتلك المؤسسات ومنها إيجاد وظائف للعاطلين، وتوليد دخل مستدام لبعض المؤسسات من خلال القيام بأعمال التدريب سواء لإدارة المؤسسات الحرة، أو من خلال تأهيل الشباب الباحث عن العمل والتوظيف، بالإضافة إلى توفير السكن والإقامة للأسر الفقيرة وتقديم خدمات متعددة للمجتمعات المحلية. وهذه الأعمال الخيرة تعمل على تعزيز إنتاجية تلك المؤسسات وتشغيل برامجها بالإضافة إلى تطوير وتوسيع مؤسسات الأعمال التجارية الصغيرة، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني من الجمعيات المتخصصة والفنية، الأمر الذي يترك الأثر الاقتصادي لهذه المؤسسات على عمليات الإنتاج والاستثمار وتشغيل وتعليم وتأهيل الشباب، بالإضافة إلى تعزيز الظروف الصحية والاجتماعية لأفراد المجتمع.
وهذه الأموال والخدمات المقدمة من الشركات العمانية يجب أن تبقى داخل البلاد ويتم صرفها على المشاريع الداخلية، وليس من أجل تقديمها لمؤسسات ودول أخرى كما يحصل الآن، بل يجب أن يكون لدى وزارة الخارجية أو وزارة المالية بند مالي خاص لمساعدة الدول في حالات الكوارث والبرامج وغيرها وفق بند المساعدات الخارجية Foreign Aids.
ومن هذا المنطلق تعمل المؤسسات والشركات وأصحاب الأعمال في البلاد على الالتزام تجاه المسؤولية الاجتماعية من أجل تحقيـق جزء من التوازن بـين الأطـراف المتعـددة في المجتمع وتحقيق مصـالح وحاجـات المؤسسات والمنظمـات والجمعيات الإنسانية وغيرها.
المنتدى الأخير ركز على ضرورة أن ترتبط المسؤولية الاجتماعية بالعمل الخيري والتطوعي والمادي، وأن تكون هناك استراتيجية تعود بالفائدة والنفع على جميع الأفراد وتحقيق التنمية المستدامة للأجل الطويل. كما ناقشت عن ضرورة ايجاد وتكوين مؤسسة مستقلة لإدارة قضايا المسؤولية الاجتماعية بدلاً من أن تكون هناك عدة جهات تتوزع ما بين وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والهيئة العامة لسوق المال وجهات أخرى، بحيث تتوزع منافع المؤسسات والشركات المقدمة للحوافز المالية والمعنوية بالتساوي لاحتياجات المؤسسات المحتاجة للمعونات المالية والمادية والتدريب والتأهيل وإنشاء المراكز المطلوبة لها.
القوانين العمانية تحتاج إلى تنظيم عملية المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص بصورة تواكب الفترة القادمة، بحيث لا تكون فقط في تقديم حصص ونسب مُعينة من ميزانيات الشركات المساهمة العامة المخصصة لبرامج المسؤولية الاجتماعية، بل في تقديم المشورة والتعليم العالي والبرامج المتخصصة؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز المساهمة وتحقيق الأثر في حجم الاقتصاد المحلي وجهود التنويع الاقتصادي. ويتطلب من المؤسسات الحكومية العمانية تحفيز المؤسسات والشركات التي تساهم في تعزيز موارد المؤسسات والمجتمعات المحلية بمشاريع ملموسة بصورة مستمرة، وأن تلقى مبادرات تسجيل المؤسسات المانحة لدعم قضايا المسؤولية الاجتماعية قبولاً دون أن تواجه تحديات وعقبات في عملية التسجيل.
هناك العديد من الأعمال الخيرية التي تنفذها الشركات والمؤسسات وتتفاعل مع برامج المسؤولية الاجتماعية والاستثمار في المجتمعات المحلية؛ الأمر الذي ينتج عنه مزيد من التكافل الاجتماعي بین مختلف شرائح المجتمع، ويزيد من الوعي بأهمیة التعاون بين مختلف الفئات. والمسؤولية الاجتماعية للشركات تعد من العناصر الرئيسية في تكوین سمعتها بما تقوم به من أعمال تجاه تقديم الخدمات الاجتماعية للمجتمع، وترفع من قدرتها على استقطاب مزيد من العملاء الجدد وزیادة حصتها التجارية والاجتماعية في الأسواق.
فما نراه اليوم من تبرعات وتمويلات لبعض المؤسسات لا تعطي الاستجابة المطلوبة، وهي تدخل في إطار حرق للأموال، الأمر الذي يتطلب إيجاد منهجية علمية سواء في مجال الدراسات أو في تقييم الاحتياجات الحقيقية للمجتمعات ودراسة المبادرات لاحقًا. ومن المهم جدا إيجاد جهات محايدة لقياس الأثر الاجتماعي للمسؤولية الاجتماعية، وفي كيفية تصريف الأموال ومدى أثرها على المجتمعات والأفراد لاحقاً، مع ضرورة العمل بالحوكمة والشفافية وتنظيم أعمال المؤسسات للحصول على النتائج الإيجابية لهذه المؤسسات على المجتمعات.
وأخيرًا.. نقول إنَّ المسؤولية الاجتماعية لأية مؤسسة هي التزامها تجاه تحقيق التنمية المستدامة وتحسين حالات الصحة والتعليم ورفاهية المجتمع وتطوره، والمساهمة في التنمـية الاقتصادية وتحسين نوعية الحياة للقوى العاملة وأسرها، مع العمل على تحسين أحوال العاملين في إداراتها.