يجزم البعض بأن القادم من التغيرات في العالم ستكون مذهلة بعد زيارة الرئيس الروسي بوتين للصين مؤخراً، والنتائج الايجابية المترتبة عن اللقاء، سوف لا تكون محصورة بينهما، بل لمجموعة من دول العالم وخاصة في القارة الآسيوية التي تشهد الحرب الروسية الاوكرانية.
الزيارة التاريخية لبوتين للصين تأتي بعد أيام قلائل من الاتفاق الصيني السعودي الإيراني الذي سيؤدي إلى حصول تطورات كبيرة في المنطقة في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية بعد ما شهدت هذه المنطقة التي تغذّي العالم بنسبة 40% من احتياجاتها النفطية منذ أكثر من سبعة عقود ماضية من الحروب والصراعات والاضطرابات الكبيرة، ومن بينها الصراع على النفط والنفوذ التي تستخدمها أمريكا من أجل تسعير هذا المنتج الحيوي بالدولار الامريكي.
حوارات عدة أجراها الرئيسان الروسي والصيني بجانب بعض العبارة الأخيرة المهمة التي أطلقها الصيني والتي ترجمت إلى عدة لغات يؤكد فيها: “الآن هناك تغييرات لم نشهدها منذ 100 عام. عندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات”، ليرد عليه بوتين قائلا: “أوافق”.
مواقع التواصل الاجتماعي ضجت بهذه العبارة التي تحتوي الكثير من التفسيرات والتأويلات التي سيبدآن تفيذها خلال المرحلة المقبلة من بينها الابتعاد عن الاعتماد على العملة الخضراء “الدولار الامريكي” في بعض المعاملات التجارية والاقتصادية للتقليل فيما بينهما. فالدولار سوف يقل الاعتماد عليه كعملة رئيسية للطاقة، خاصة أن وجود السعودية وإيران – وهما دولتان كبيرتان في منظمة (أوبك)- وضمن الاتفاق الصيني معهما ستعملان على التقليل من استخدام هذه العملة المهيمنة على اقتصادات الكثير من الدول ومنها دول المنطقة.
لقد لقي التقارب بين روسيا والصين تفاؤلاً كبيراً لدى عدة دول نامية في آسيا وأفريقيا، في الوقت الذي تحاول فيه عدة دول في استخدام عملات جديدة في تسعير بعض المنتجات ومنها أسعار النفط العالمية. وهناك اليوم تساؤلات عما إذا كان الدولار الأمريكي سوف يستمر في الصعود مستقبلاً أم انه في حال انحدار في تداولات بعض الدول في المنطقة وخارجها. بعض المحللين يرون بأن الدولار الأمريكي بالرغم من أنه قوي، إلا أن نقاط ضعفه في تصاعد مستمر، وأنهم يرون بأن الوضع القادم للورقة الخضراء سوف لا يستمر بنفس الوضعية خلال المرحلة المقبلة، وأن بوادر انخفاضه قد بدأت وخاصة مع التطورات الاخيرة في المنطقة، في الوقت الذي عملت فيه جائحة الكوفيد 19 خلال السنوات الماضية على التعامل بعدة عملات غربية ويابانية وبريطانية وسويسرية وغيرها بجانب العملات المحلية في بعض التعاملات التجارية.
كما أن الاحتياطيات من النقد الأجنبي لبعض الدول في العملة الخضراء تراجعت هي الاخرى خلال السنوات الماضية، فيما تشكّل العقوبات الأمريكية على روسيا تأثيرات سلبية الأمر الذي يدفع بعض الدول لايجاد بدائل وخيارات أخرى لتسوية المدفوعات، وهذا ما قامت به حتى اليوم باستخدام عملاتها مباشرة في التعاملات التجارية مؤكدة بأن هناك اليوم عالما قادما ما بعد الدولار. لكن لا هذا يعني بأن الدولار سوف يفقد دوره المهيمن كعملة رئيسية في التداولات والاحتياطات العالمية والتجارة الدولية والمعاملات المالية، إلا أن روسيا والصين تحاولان صياغة مفاهيم جديدة لتطور العالم المعاصر وتعملان على العمل بدون العقوبات والحواجز والقيود الجمركية التي تخلقها أمريكا للدول المخالفة معها في العلاقات الدولية.