يضع الكثيرون السياسة الخارجية العُمانية ضمن العوامل المؤثرة التي تشكّل القوة الناعمة التي تتميز بها السلطنة، بجانب ثقافتها وسماحتها مع الجميع، وتميّز السلطنة بتداول أفرادها العديد من اللغات واللهجات المحلية، إضافة إلى موقعها الجغرافي الهام والمتميز بين الأمم الأخرى.
وقد تمكنت السياسة الخارجية لعُمان خلال العقود الماضية من تحقيق العديد من الأهداف سواء على مستوى المنطقة العربية والعالم بسبب الرؤية الثاقبة التي تتميز بها في العلاقات الدولية، وبسبب اتخاذها أسلوب الحوار مع الجميع، والبعد عن المشاركة في استخدام مشاريع القوة والقهر والإكراه في تحقيق تلك الأهداف، حيث ما تقوم به يدخل في إطار القوة الناعمة التي تستخدمها الكثير من دول العالم لتحقيق الأهداف.
كما هو معروف فإنَّ السمة المميزة للقوة الناعمة هي أنها غير قسرية، ولا تعمل بأساليب القوة القهرية المعتادة في عالم اليوم؛ بل إنها تعني القدرة على استمالة الآخرين بدلًا من إكراههم أو إجبارهم في القيام بعمل ما، أي أنها نقيض استخدام القوة الصلبة ضد الآخرين سواء في السياسة الدولية أو في المجالات الاقتصادية كالمقاطعة الاقتصادية لدول مُعينة. وهذا ما أشار إليه الباحث جوزيف ناي من جامعة هارفارد في كتابه “ملزمة للقيادة: الطبيعة المُتغيرة للقوة الأمريكية” عام 1990؛ فالقوة الناعمة تشمل القيم الثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية والرياضية والسياسات الخارجية وجميع الأنشطة التي تبتعد عن استخدام أساليب الحرب والقوة في تحقيق الأهداف.
ما نود طرحه هنا اليوم هو البيانات المرئية والصحفية التي أدلى بها عدد المسؤولين الكبار في الدولة كمعالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية ومعالي قيس بن محمد اليوسف وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار حول نجاح تجربة العُمانيين في جذب عشرات الأشخاص الرياضيين في بطولة لعبة الجولف التي نظمها الاتحاد العُماني للغولف بمسقط مؤخرًا وبمباركة من وزارة الثقافة والرياضة والشباب.
فقد استخدمت سياسة توظيف رياضة الجولف في جذب عشرات اللاعبين من إيطاليا وأوروبا لتنظيم البطولة الاستثنائية بجانب استغلال وجودهم في عرض الفرص الاستثمارية والتجارية بالسلطنة. ويرى وزير الخارجية أن هذا الحدث عمِلَ على ربط الرياضيين الإيطاليين بالعُمانيين، مؤكدًا حرص السلطنة على استضافة مثل هذه الفعاليات لاستكشاف فرص الشراكات والتبادل مع الجميع في العالم.
وعُمان أرض السلام والتسامح والحياد والضيافة؛ حيث تتوافق جميع هذه المبادئ مع روح الرياضة التي تسعى إليها دول العالم، فهي منفتحة على العالم وتتميز في الوقت نفسه بأنها من الدول التي تتمتع بالعديد من المقومات السياحية الجميلة، بالإضافة إلى فرص الاستثمار والأعمال التجارية، الأمر الذي يُعطي لها الفرصة بتوسيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع كافة دول العالم في المستقبل.
بطولة الجولف التي أقيمت على واحدة من الملاعب العالمية بالعاصمة مسقط مؤخرًا ستعمل في الوقت نفسه على تعزيز التعاون الرياضي والاقتصادي والتجاري والاستثماري بين السلطنة ودول العالم عبر اللاعبين ورجال الأعمال ومسؤولي الحكومات والأصدقاء بجانب تأثيرات هذا الحدث على النشء والشباب مستقبلًا؛ فالسلطنة تتمتع بالعديد من المقومات الاقتصادية والسياحية والثقافية، وتتميز بأنها أرض المغامرات والغوص والإبحار ومختلف أنواع الرياضات ومنها لعبة الغولف والكريكيت التي شهدت السنوات الأخيرة إنشاء العديد من الملاعب العالمية لتلك الألعاب واستضافت عدة بطولات في هذا الشأن.
جميع هذه المقومات تمثل إطارًا قويًا في القوة الناعمة التي تجذب المزيد من الجماهير للاهتمام بما يجري في السلطنة والمنطقة عمومًا. وهذا ما يجب التركيز عليه في السنوات المقبلة بأن تستغل عناصر القوة الناعمة في جذب الاستثمارات والمشاريع التجارية والصناعية التي نتطلع إليها لتنويع مصادر الدخل والاقتصاد في إطار الدعم الذي حصلت عليه بطولة رياضة الغولف من الوزارات المعنية، وعدة مؤسسات وشركات عُمانية مرموقة تهتم جميعها بالمساهمة في الجهود الوطنية لتحقيق رؤية “عُمان 2040”.
ومن هذا المنطلق جاءت أيضًا رسالة معالي وزير التجارة والصناعة وترويج الاستثمار في هذا الصدد، والتي تحمل رسالة مماثلة بضرورة بناء العلاقات الجديدة عبر رياضة الجولف بجانب إعطاء فرص استكشاف السلطنة باعتبارها وجهة جاذبة للاستثمار؛ حيث شهدت البلاد خلال السنوات الماضية دخول استثمارات خاصة كبيرة لتطوير خدمات ومرافق جديدة في عالم الرياضة وغيرها من المجالات الاستثمارية الأخرى، الأمر الذي يتم من خلاله دعم قطاعات السياحة والرياضة والضيافة والثقافة التي تعد جميعها من عناصر القوة الناعمة في عالم اليوم.
إنَّ هذه القوة هدفها جعل دولٍ تستجيب للآخر من خلال أساليب التعاون والتفاهم، والبعد عن استخدام القوة الصارمة والعقوبات الاقتصادية، وسلطة إصدار أوامر القوة للآخرين، وكذلك التأثير على سلوكهم للحصول على النتائج التي تصبو إليها الدول والأفراد دون الاكراه بالتهديدات والعنف، وهذا ما يعمل به البعض اليوم في السياسات الخارجية والعلاقات الدولية.