تابعتْ وسائل التواصل الاجتماعي التصريح الذي أدلى به سعادة وكيل وزارة العمل حول اعتزام الوزارة ودراستها لموضوع اعتماد 3 أيام إجازة أسبوعية بدلًا من يومين، خاصة وأنَّ عدة دول في العالم وفي المنطقة أيضًا اعتمدت قرارًا بخفض أيام العمل إلى أربعة أيام، فيما تكون الإجازة الأسبوعية لمدة ثلاثة أيام.
لا شك أنَّ مثل هذا القرار يحتاج إلى إجراء دراسة كافية شافية لمعرفة جميع النتائج الإيجابية والسلبية المترتبة عن اتخاذ قرار كهذا؛ سواء على الحياة الاقتصادية أو الأعمال التجارية والصناعية في البلاد، وكذلك تأثيراته على الحياة الاجتماعية أيضًا.
الظروف التي مرَّ بها العالم خلال السنوات الماضية من تعرضه لجائحة كوفيد-19 تسببت في تغيير العديد من المفاهيم وسلوك الأعمال في العالم، ومزاولة الناس للأعمال المكتبية والتجارية والإنتاجية لهم، بحيث أصبح الكثير من الشركات يعتمد على قيام الموظفين بإنهاء أعمالهم من المنازل ومقار سكنهم، ومن أي موقع يمكن لهم القيام بذلك؛ فالشركات العالمية التي تدير الأسواق والمؤسسات تختبر كل مرة طرقًا جديدة لتحسين إنتاجية الفرد بما يتناسب مع حياته مع تحسين رفاهية القوى العاملة في الوقت ذاته.
بعض الدراسات التي تعاملت مع هذا القرار وفق ما ورد في “أكسفورد بيزنس جروب” بحثت موضوع العمل بأربعة أيام مع شركات غير ربحية وشركات خاصة التي تعمل في مجالات وقطاعات تشمل التوظيف والبرمجيات والتصنيع في بريطانيا لمعرفة مدى تأثيرات هذا القرار، طالما سيحصل الموظفون على نفس الأجر مقابل تخفيض أيام العمل. وكانت إجابات تلك الشركات والأفراد متباينة؛ سواء بالاستمرار في الوضع الحالي أو العمل بالتغيير الجديد، أو ضرورة العمل على إعادة تقييم هذه المقترحات بصورة أكبر، إلا أنَّ معظمهم يرون أن الفوائد ستكون الأكثر وضوحًا للعمل بأيام العمل القصيرة باعتبار أن ذلك يعمل على إيجاد توازن أفضل بين العمل والحياة.
كما إن بعض الدراسات الأخرى في هذا الشأن توضّح أن شركات عدة تمكنّت من تحقيق إيرادات أكبر من تقليل أيام العمل خلال السنوات الماضية، مع العمل بهذا النموذج وقدرته على دعم خطط التوسع لتلك الشركات.
وموضوع العمل بأيام أربعة ما زال محل نقاش لدى الكثير من الحكومات والمجتمعات التجارية والصناعية، وخاصة تلك التي تعاني من قلة الأعمال والإنتاجية والتسريح والتراجع في الإيرادات والديون وغيرها من المشاكل الأخرى. وعلى المعنيين في السلطنة دراسة هذا الموضوع بكل عناية بحيث لا تأتي النتائح عكس ما يتم التخطيط في هذا الشأن. فالموضوع ما زال وليد التطور في كثير من الدول، كما إن النتائج المترتبة من هذا العمل والفوائد التي يمكن جنيها من هذا التغيير في عادات العمل العالمية لم يتم فحصها بعد، في الوقت الذي تختبر فيه بعض الأسواق الناشئة هذه التغييرات من أجل تعظيم عمل الموارد البشرية وتحسين إنتاجيتهم مع إعطاء الرفاهية والصحة اهتمامًا أكبر.
هذه القضية تنال قسطًا كبيرًا من النقاش وتزداد احتمالية فرض الأيام الأربعة بسبب تأثّر الأعمال والناس والمؤسسات بجائحة كوفيد-19؛ الأمر الذي يدفعهم لتحقيق التوازن بين نتائج الإنتاجية مع العمل بساعات وأيام عمل أقل. وبعض الدول في المنطقة ومنها إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة كشفت عن دراسة تقييمية لنظامها الجديد أجريت في أوائل العام الحالي 2023 تحت إشراف المجلس التنفيذي لإمارة الشارقة عن زيادة بنسبة 88% في إنتاجية الموظفين لأيام العمل الأربعة، وزيادة بنسبة 74% في حضور العمل، وانخفاض بنسبة 46% في استخدام الإجازات المرضية. ولكن الظروف في الكثير من دول العالم ومنها السلطنة مختلفة، الأمر الذي يتطلب دراسة هذا الأمر بكل عناية ومن جميع النواحي الأخرى بحيث لا تكون سببًا في تراجع الإنتاجية وقلة فرص العمل القادمة للآخرين.
قلة أيام العمل تعمل على زيادة رفاهية النَّاس وتقلّل من الضغوط والمشاكل الأسرية. وهناك أيضا تجارب عمل لأربعة أيام لشركات ومؤسسات تعمل بدولة جنوب أفريقيا، وإندونيسيا وغيرها ويمكن معرفة نتائجها الإيجابية من السلبية بالاطلاع على تجاربها، وتأثير تلك التحولات ومدى تأثير ذلك على الإنتاجية والقضايا الصحية للعاملين بها.
والعمل لمدة أربعة أيام أدى إلى زيادة ساعات العمل لدى العاملين والموظفين في بعض الدول لمدة 12 ساعة في اليوم بدلًا من 8 ساعات؛ أي بواقع 48 ساعة في الأسبوع، إلّا أن ذلك يشكّل أحيانًا تحديًا لبعض القطاعات وخاصة الصناعية منها نتيجة لوقوف العمال لساعات أكبر أمام آلات التصنيع، وفي ظروف ربما تكون قاسية بعض الأحيان.
وأخيرًا.. إنَّ قلة أيام العمل ستزيد من تنقل الموظفين خارج أعمالهم وسيؤدي إلى انخفاض حركة المرور واستهلاك الوقود، الأمر الذي ربما سيؤثر على أسعار السلع والمنتجات، وعلى الميزانيات الحكومية أيضًا بسبب التراجع في أسعار الخدمات من الكهرباء والمياه والوقود وغيرها.