أثارت تصريحات وكيل وزارة العمل لتنمية الموارد البشرية حول ضعف المخرجات الوطنية وعدم كفاءتهم للانخراط في سوق العمل استياء لدى الغالبية في المجتمع. هذا الاستياء يشيرإلى أن مجتمعنا حساس تجاه النقد الذاتي خاصة لو كان نقدا يبين أهم نقاط ضعفنا ويسعى إلى تحديد بعض أسباب مشكلة التوظيف – وهي عديدة – ومن بينها عنصر الكفاءة الذي تحدث عنه وكيل وزراة العمل. ترى هل يمكن حل مسألة الباحثين بالعمل بتوظيف من يملك الكفاءة والمهارة ومن لا يملكها ويكفي أن يتم التوظيف بغض النظر عن كفاءة من يتم توظيفه؟
البعض اتخذ من التصريح السابق مناسبة ليدافع بها عن الوطن وعن كفاءة الشباب واخلاصه الخ. هذا الجانب العاطفي من التناول غير مجدي، بل أن هذا التصريح يجب أن يُدرس ويُنظر اليه بشكل موضوعي بعيدا عن الغضب والعاطفة. خاصة وأن وزارة العمل من ضمن الجهات التي تتوجه اليها أصابع الاتهام أو الاهتمام في ملف الباحثين عن العمل، وإذا كنا نبحث عن حلول لهذه المشكلة فأنا أتفق مع التصريح في أن مشكلة التوظيف تشترك فيها أكثر من جهة ومؤسسة، وإذا كانت أحد معوقات التوظيف هي كفاءة المخرجات فيجب أن يتم إشراك كل من وزراة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي في هذا الجدل. وبالتالي علينا أن نبدأ بتحليل ونقد النظام التعليمي لدينا سواء النظام التعليمي المدرسي أو النظام التعليمي ما بعد المدرسي وبكل عناصره مثل الطالب والمدرس والمؤسسة التعليمية والمناهج التعليمية المُتبعة فيها والذي يزود الطالب في النهاية بمجموعة من المؤهلات والمهارات. هل لدينا أي دراسة حول مؤهلات الطالب الذي يحصل على شهادة الدبلوم العامة ؟ بعيدا عن نظام الدرجات الوطني هل تمت مقارنة مؤهلات هذا الطالب ومعارفه للمؤهلات ذاتها على مستوى اقليمي مثلا ؟ ما هي مشاكل النظام التعليمي لدينا؟ هل المشكلة في المنهج التعليمي وطرائق التدريس أم في كفاءة الكادر التعليمي أم في نقص الموارد ؟
مع ملاحظة أن النظام التعليمي المدرسي يجب ألا يكون مصمما ليناسب الموهوبين والأذكياء فقط – رغم أن نظامنا الحالي غير قادر على استيعابهم- بل يجب أن يمد الطالب بالمعارف والمهارات الأساسية التي تمكنه من فهم المادة واستيعابها إلى جانب النجاح فيها طبعا. مثلا كأن يكون الطالب قادرا على توظيف الرياضيات والفيزياء ومهارات اللغة العربية في حياته والإفادة منها ، ومثلا لا يشترط أن يكون الطالب موهوبا في الرسم أو الموسيقى حتى يمارسهما، ولكنه على الأقل قادر على فهم(وليس حفظ) وتطبيق القواعد الأساسية في الرسم وقادر على انتاج لوحة جميلة توظف التقنيات التي درسها، وبالمثل قادرا على عزف مقطوعة موسيقية مبسطة الخ.
وإذا كانت المشكلة تتصل بالنظام التعليمي ما بعد المدرسي فرغم جهود الجودة والاعتماد المؤسسي والأكاديمي الذي بدأ منذ سنوات لكن هناك نتائج غريبة يمكن ملاحظتها من خلال سوق العمل. هل من المعقول مثلا أن يكون خريجو إحدى الكليات الخاصة في اللغة الانجليزية بعد اربع أو خمس سنوات من الدراسة فيها غير قادرين على النجاح في اختبارات الايلتس (6.5)، وهم من الكادر الذي تلقى بعضه تأهيلا تربويا لتدريس اللغة الانجليزية في المدارس ؟ كيف يمكن لمعلم لغة انجليزية أن يكون غير قادر على تجاوز امتحان أساسي في لغة يفترض أن يكون متخصصا فيها بعد دراسية جامعية نال فيها مؤهلا في أدب اللغة ؟ وماذا عن آراء أرباب العمل ؟ هل هناك دراسة توضح ضعف أو قوة هذه المخرجات والتي تُكشف لأصحاب العمل من خلال المقابلات والاختبارات التي يتم إجرائها مع الباحثين عن عمل؟ لماذا يحصل خريجو بعض المؤسسات التعليمية في عُمان والخريجون من مؤسسات تعليمية أجنبية -ويمكن عدها حرفيا -على فرص أفضل للعمل في حين يفشل خريجو نفس التخصص من جامعات وكليات أخرى في عُمان على التنافس فيها ؟
ومرة أخرى الشباب الذين اجتهدوا ونجحوا وثابروا واثبتوا جدارتهم حتى مع فرص التعليم والتأهيل المتدني التي واجهها بعضهم يستحقون التقدير والاحترام ، ولكن علينا أن نراجع أنفسنا .. ونسأل مرة أخرى هل نظامنا التعليمي بخير؟