ليس غريباً التجني على أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام – فقد ظل سبه على منابر الدولة الأموية عشرات السنين واستمرت آثار تلك الحقبة حتى يومنا هذا، وما مقارنته ببعض مناوئيه الذين استلوا عليه السيوف طلباً للأمارة والملك، سوى من ذلك. رجلٌ قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم “علي مع الحق والحق مع علي، يدور معه حيثما دار”.
رغم تلك الخلفية، وعشرات الأحاديث الشريفة الثابتة في حق علي، يذهب البعض إلى أن يصنف الخلاف بين أمير المؤمنين ومناوئيه كخلاف “سياسي”، ولعله كذلك من طرف المناوئين، ولكن ما تحرك الأمير في غير الحق. ما أشد الظلامات التي تخيم على ذكر من وصفه رسول الله كباب “مدينة العلم”، وهو حضرته (ص) مدينة العلم، ولا باب سواه (ع).
قالها الفراهيدي “ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، و أخفاها محبوه خوفاً، و ظهر من بين ذين و ذين ما ملأ الخافقين”.
وقد يثير البعض النقاشات الخلافية، ويذهب إلى البحث عن عذر لبعض المناوئين، متذرعاً بأن يكون التراث الاسلامي قد تقادم بحيث ضاعت الحقيقة، فلا تبقى مصلحة في تزكية البعض واتهام الآخرين! فهل ديننا وشريعتنا الغراء إلا من الكتاب الحكيم وذلك التراث؟ وهل نستغني عن ذلك التراث؟ وهل نعتبر أن الشريعة تكون قد ضاعت؟ أولسنا نستقي هدينا من سيرة وسنة رسول الله والصحابة من ناحية، وأهل بيت رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؟! أو أنه يجوز أن نسوق ضياع الحقيقية كعذر لمن ظلم رسول الله وأهل بيته، حينما يدينهم التراث؟!
لم يكن أمير المؤمنين ليضحي بالحق والمصلحة الإسلامية رغم ثبوت قضيته وقيام الحجة، فبقاء الدين بما بقي عليه كان في نظره أجدر من أن يخطو هو في طلب حقوقه الخاصة، إن أدى لما يتسبب بالفتنة بين المسلمين.
من الواضح أن تعدد القراءات للتراث قائم بين المسلمين، ولا ضوء في نهاية المسير في هذا الصدد، فمن الأجدر ألا يتم استدراج الفقرات الخلافية. وإن كان الأمير وأهل البيت قد ضحوا وبذلوا كل ما أوتوا لجمع كلمة المسلمين – وأولهم الأمير عليه السلام، فالأحرى بنا أن نقتدي بذلك، ونوحد كلمتنا ونحتمي من الفتن التي تحيط بنا كمسلمين.
والله المستعان.