المعتاد أن التغييرات البسيطة لها آثار بسيطة، بينما التغييرات الكبيرة عادة يصاحبها تأثيرات كبيرة، لكن هذه القاعدة ليست صحيحة بإطلاقها، فقد لاحظ العلماء أمرًا مغايرًا تمامًا في عدد كبير من النظم الفيزيائية والحيوية والنظم الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ لاحظوا أن التغييرات البسيطة في هذه النظم لها آثار كبيرة للغاية وغير متوقعة، ولذا فمن الخطأ النظر إلى المتغير فقط عند تحديد التأثير؛ بل لا بُد من النظر أيضًا إلى النظام الذي نرغب في إجراء التغيير عليه، فبعضها نظم حساسة للغاية للتغييرات البسيطة وتعرف هذه النظم بالنظم الفوضوية.
وقد حاول بعض الملاحدة استغلال فكرة الطفرات العشوائية والتي تعد ركنًا أساسيًا في نظرية دارون والتي تقدم تفسيرًا للتنوع الأحيائي في العالم لنفي فكرة الإيمان بوجود إله خالق لهذا الكون، وبالمقابل نلاحظ في عالمنا الإسلامي من رفض فكرة الطفرات العشوائية وحاول آخرون اعتبارها طفرات موجهة في محاولة للتوفيق بين الفكر الديني وهذه النظرية، إلّا أننا نظن أن فكرة العشوائية لا تعني العشوائية بمعناها الفلسفي والذي يعني انعدام الغائية أو السببية؛ بل بمعناها العلمي والقائم على ما يعرف بنظرية الفوضى.
لذلك فهذه النظم ليست نظمًا عشوائية بالمفهوم المتداول لكلمة العشوائية؛ بل هي غاية في النظام إلا أنها غاية في التعقيد أيضًا، ولذلك يصعب التحكم بها والسيطرة عليها والتنبؤ بها عمليًا، فأي تغيير بسيط في شروطها الأولية يغير من نتائجها بشكل كبير جدًا.
فقد لاحظ بعض العلماء في القرن الماضي أن حركة الكواكب والنجوم تتأثر وبشكل كبير جدًا بتغييرات بسيطة في شروطها الأولية، فلو افترضنا فرضًا معينًا وقمنا بعمل حساباتنا حول موقع هذه النجوم، وجاء عالم آخر وقام بتغيير بسيط في الفرض الذي افترضناه فإن النتائج ستكون مختلفة بشكل مذهل وغير متوقع، فمثلًا إدخال رقم من 3 خانات عشرية وإدخال نفس الرقم ولكن مع خانة عشرية واحدة وتقريب الخانة الثانية، سيولد نتائج مختلفة تمامًا وغير متوقعة ومن هنا تسمى هذه النظم بالنظم الفوضوية؛ لأنها وعلى الرغم من كونها محددة وبدقة إلّا أن نتائجها يصعب التحقق منها؛ لذلك يخيل للمرء أنها عشوائية ولا تخضع لنظام معين، ولكن حقيقة الأمر ليست كذلك.
ومع تطور نظم الحواسيب الرقمية، فإن هذه النظرية والتي تعرف بنظرية الفوضى وتعرف النظم التي تتأثر بشكل كبير بالشروط الأولية بالنظم الفوضوية، أخذت أبعادًا واسعة، وذلك لأن الحواسيب تسمح لنا عن طريق برامج معقدة التنبؤ بأثر التغييرات حتى البسيطة على النظم المعقدة، فلقد لاحظ العلماء مثلًا أن المناخ كظاهرة طبيعية نظام فيزيائي فوضوي يمكن التنبؤ به بدقة، لكن أي تغيير ولو بسيط في شروطه الأولية سيكون له أثر بالغ، فتغيير بسيط في السرعة أو الاتجاه ربما يغير من مسار الإعصار مثلًا من اتجاه إلى اتجاه آخر معاكس، ولذا يصعب التنبؤ به حاليًا.
وينطبق الأمر نفسه على النظم الاقتصادية والاجتماعية، فأسواق المال مثلًا تعد نظمًا فوضوية وتتأثر بالمتغيرات الصغيرة جدًا، فكلمة تخرج من مسؤول في دولة ما أو تغيير بسيط في قيمة العملة لها تأثيرات كبيرة وضخمة على أسواق المال، وهكذا الحال مع النظم الاجتماعية، فتغير بسيط في بعض العادات المجتمعية، قد يكون له أثر بالغ على المجتمع، لكن من المهم معرفة أن بعض التأثيرات قد تتأخر نتائجها ولا يمكن رصد النتائج بصورة مباشرة وذلك بسبب طبيعة النظام، فالتغييرات البسيطة في النظم التعليمية مثلاً قد لا يلمس أثرها على المدى القصير ولكن قد تكون لها آثار غاية في الإيجابية أو مدمرة على المدى الطويل.
ومن هنا تأتي أهمية دراسة هذه النظم المعقدة دراسة دقيقة وعلمية وإيجاد نماذج رياضية يمكن من خلالها دراسة تأثير التغييرات عليها حيث يتم استخدام هذه النماذج الرياضية في دراسة المناخ كما أنها تستخدم في عدد من المراكز البحثية المخصصة للدراسات الاستراتيجية التي توضع في المجالات التعليمية والاقتصادية والصحية والاجتماعية.
إننا في السلطنة نشهد تغييرات كبيرة وعلى مختلف الصعد التنموية، الاقتصادية والتعليمية والصحية وغيرها، ولذا من المهم إجراء دراسات استراتيجية قائمة على نماذج رياضية تقوم بدراسة أثر التغييرات البسيطة والكبيرة على الاقتصاد والتعليم والصحة، على المستوى المنظور وعلى المستوى البعيد؛ فالتغييرات البسيطة في هذه النظم لها أثر كبير وبالغ، فهي نظم فوضوية وبامتياز.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس