Image Not Found

الديون والشيكات المرتجعة

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
[email protected]

يبدو أنَّ بعض الجرائم الاقتصادية سوف تحتل المرتبة المتقدمة في السلطنة خلال الفترة المقبلة في ضوء نتائج التقرير السنوي الذي استعرضه سعادة المدعي العام خلال المؤتمر السنوي الذي عُقد قبل أيام بعنوان “باسم المجتمع”.

فجريمة الشيكات بدون رصيد تصدّرت الجرائم العشر الأكثر حدوثًا في البلاد، وهي الجريمة الناجمة عن استخدام أوراق الشيكات التي تمنحها البنوك للعملاء؛ سواء من المواطنين والوافدين لتسيير وتسهيل أعمالهم التجارية والشخصية اليومية. الكثير من أصحاب المؤسسات والأفراد ما زالوا يعتمدون في الحصول على مستحقاتهم المالية العاجلة والآجلة من خلال الدفع بأوراق الشيكات، بالرغم من أن الشيك يمثل أداة استحقاق فوري وفق ما يورد فيه من مبلغ مالي معيّن، لكن استخدامه في معظم مجتمعاتنا الخليجية يتم على أنه أداة تأجيل، وهذا ما يتطلب إيجاد حل لهذه الوسيلة وإيقاف الاستخدام الخاطئ لها؛ فالشيك يعد أداة وفاء بمجرد الاطلاع عليه على أن يتوافر فيه عناصره المقررة مثل أن يكون ذا تاريخ واحد ويكون مستحق الدفع لدى الاطلاع.

جريمة الشيكات المرتجعة مع جرائم مالية وتجارية أخرى؛ سواءً تلك التي تتعلق بمخالفة قانون إقامة الأجانب وقوانين العمل، وجرائم تقنية المعلومات، والمشاكل التي ترد من هيئة حماية المستهلك، بجانب جرائم السرقة وابتزاز الأموال، وجرائم الاحتيال، وقضايا غسل الأموال، وقضايا الاتّجار بالبشر وغيرها، تدخل جميعها ضمن الجرائم الاقتصادية التي تنال من حقوق الناس وتمس حقوقهم المالية والاجتماعية وغيرها. وقد زادت مطالبات الناس تجاه تلك الجرائم نتيجة لزيادة وعي الناس بحقوقهم التي كانت تُهدر وتضيع في الماضي بصورة أو بأخرى، في الوقت الذي تعمل فيه الجهات المعنية على تسهيل أمور التقاضي الافتراضي لتوفير الوقت والجهد والمال للداخلين في تلك القضايا أحيانا، مع تقليل الحبس الاحتياطي، وعدم حجز الوثائق في أنواع محددة من الجرائم، في الوقت الذي يعمل فيه المجلس الأعلى للقضاء بمفاهيم التخصص القضائية لتعزيز العدالة الناجزة، بحيث يحصل كل ذي حق على حقه ودون أي تأخير.

التقرير الأخير للجرائم في السلطنة عن جرائم الشيكات المرتجعة في المجتمع العماني يُبيّن أنها تتصدّر قائمة الجرائم الأكثر حدوثًا، خاصة في محافظتي مسقط وظفار؛ حيث تتواجد فيهما الكثير من الأعمال التجارية والمؤسسات الاقتصادية، بجانب الأعمال الحرة التي دفعت الكثير من المواطنين القيام بها خلال السنوات الماضية، قبل أن يواجهوا التحديات والصعوبات التي أفرزتها أزمتا تراجع أسعار النفط العالمية، وجائحة “كوفيد-19″؛ الأمر الذي نتج عن ذلك زيادة المديونية على عاتق هؤلاء الأشخاص تجاه المؤسسات والأفراد؛ فورود أسماء هاتين المحافظتين لا يعني أن قضايا الشيكات المرتجعة تقتصر عليهما؛ بل إن أعداد الشيكات في المحافظات الأخرى ربما أقل من ذلك.

ومن هنا جاءتْ بعض الدعوات خلال السنتين الماضيتين بإيجاد مؤسسة اجتماعية مثل “جمعية الغارمين الخيرية” لدعم جهود المواطنين والتقليل من مديونياتهم الكبيرة، خاصة تجاه المعسرّين والمسرّحين من الأعمال والعاطلين عن العمل وغيرهم من الفئات التي تعاني من الضايقة المالية. وهذا ما يجب تدارسه من مختلف المستويات وليس منع إشهار الجمعية المقترحة، بل دعمها بأفكار جديدة إذا كان هناك قصور في بعض بنود هذه المؤسسة التي من المؤكد أنها سوف تقلّل من مشاكل المديونية في المجتمع ولو بصورة جزئية.

بالنسبة للشيكات المرتجعة؛ فبالرغم من أن وسائل الاتصالات الحديثة قلَّلت عمليات الإصدار منها لحساب زيادة التعامل بالسحوبات الإلكترونية، إلّا أن عدد الشيكات المرتجعة ما زال يؤرق الكثير من المؤسسات التجارية التي شاركت هي الأخرى في التسويق الخاطئ لبعض المنتجات الكبيرة في السنوات الماضية، كبيع السيارات والعقارات وغيرها بالأقساط المريحة؛ حيث تعرّض بعض العاملين في المؤسسات التجارية العمانية إلى التسريح من الأعمال، وتعسّر بعضهم في أعمالهم التجارية بسبب الإغلاقات؛ الأمر الذي أدى بهم أن يتحملوا نتائج ذلك، ونتج عنه عدم استطاعتهم تحمل تلك المديونيات المتبقية عليهم.

المجتمع العُماني بحاجة إلى تعزيز نشر الثقافة الاقتصادية ومنها كيفية استخدام الكمبيالات والسندات في مثل هذه الأمور التجارية، إلا أن الكثير من المؤسسات والشركات العمانية المختصة تفضّل التعامل في عمليات تمويل السيارات والأدوات المنزلية الكبيرة والأثاث والعقار من خلال الحصول على الشيكات التي سوف تظل معضلة في العمل التجاري خلال السنوات المقبلة. ويبدو أن الكثير من أفراد المجتمع ما زالوا يجهلون الجرم الناجم عن الشيك الذي يتم إرجاعه، في الوقت الذي يتحمل فيه البائع ذلك الجرم أيضًا نتيجة إلزام المشتري بإصدار الشيك دون معرفته للوضع المالي له عند بيعه لمنتج معين له.

وعلى الجهات القانونية توفير كافة الضمانات للشيك حتى تسود الثقة بين المتعاملين، وتحديث التشريعات المرتبطة بالعقوبات الناجمة عن ارتجاع الشيك للحفاظ على حقوق جميع الناس والمتعاملين؛ الأمر الذي سيساعد على استقرار المعاملات وتسود الثقة بين المتعاملين بشكل عام. ومن المحتمل أن يزداد عدد الشيكات المرتجعة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمرُّ بها المجتمعات؛ حيث تزداد عمليات التسريح والتعسر والديون وعدم وجود فرص العمل المستمرة للشباب العاطل، وأن استمرار هذه الأزمة سوف يظل لفترات قادمة بسبب تراجع رواتب ودخول الأشخاص أيضا.