اتجه العالم خلال العقود الثلاثة الماضية بالتخصص في أعمال الشركات التكنولوجية والتقنيات الحديثة التي تحتاج إلى كفاءات وخبرات جديدة، بينما سارعت العائلات والأسر في تعليم وتدريب وإعداد أبنائهم في تلك المجالات والتخصصات التي بدأنا نعتمد عليها في أعمالنا وخدماتنا اليومية. وأصبحت حياتنا معتمدة على الاتصالات الذكية لانجاز ما نود تحقيقه من خلال تلك التقنيات.
ولكن ما نراه اليوم أن هناك مشاكل لدى الشركات العملاقة العاملة في مجال التكنولوجيات خاصة تلك التي تدير المواقع والمنصات العالمية في العالم، حيث قامت خلال الفترة الماضية بتسريح آلاف العمال العاملين في تلك المجالات، ناهيك عن شركات أخرى سرحت آلافا أخرى من عمالها أثناء تفشي جائحة كورونا في السنوات الماضية سواء في المجالات التجارية أو الصناعية.
وفي الوقت الذي يحصل ذلك، فاننا نشاهد أن هناك نقصا في عدد العاملين في بعض التخصصات المهمة الأخرى حيث هناك طلب كبير على التخصصات الطبية والمرضية والبيئة وغيرها. فالكثير من الناس يفتقرون إلى تلك الخدمات بسبب المشاكل التي يتعرضون لها بسبب الفقر والأمراض والكوارث التي تجتاح العالم أحيانا. وهذا ما يتطلب وجود الكوادر في تلك المجالات والتخصصات التي تحتاج هي الاخرى إلى خبرات وعلوم مستدامة.
واليوم يتضح أن هناك تراجعا في عدد العاملين في تشغيل المواقع التكنولوجية في العالم بعدما حققت ملايين من الأرباح في الفترات الماضية، حيث تشير بعض البيانات الصادرة عن تسريح 20% من العاملين في تلك الشركات. فالمخاوف التي تهز العالم بسبب التضخم والركود والديون تساهم في عمليات التسريح لدى الكثير من المؤسسات. وهذا أمر جليٌ لدى الشركات التكنولوجية العملاقة مثلما حصل بشركات جوجل وتويتر وأمازون وميتا التي سرحت الالاف من الموظفين خلال الفترة الماضية، في حين نجد أن المؤسسات والمراكز الصحية والمستشفيات بحاجة إلى تخصصات الطب ومكافحة الأمراض وغيرها بالاستمرار، الأمر الذي يدفع الأسر والعائلات إلى توجيه أبنائهم للمضي قدما للدراسة في تلك التخصصات الهامة المستدامة وتدريبهم وتأهيلهم نتيجة الطلب المستمر عليها من المؤسسات العامة والخاصة، بجانب تأهيلهم في مجال التقنيات الحديثة التي لا يمكن الابتعاد عنها في حياتنا الحالية.
فبعض الخبراء في مجال التقنيات يعتقدون بأن التسريحات من الأعمال في شركات التكنولوجيا العملاقة في العالم سوف تستمر خلال الأشهر والسنوات المقبلة، وهذا يمكن ملاحظته أيضا على مستوى بعض الشركات العاملة في المنطقة الخليجية التي استغنت عن بعض الموظفين العاملين في مجالات التكنولوجيا، بالرغم من هذه المؤسسات تجني أرباحا جيدة سنوياً من أعمالها وخدماتها التي تقدّم لمختلف الجهات الأخرى. وتعود هذه التسريحات إلى تمكين المؤسسات من خفض التكاليف والمصروفات الشهرية، وزيادة إيراداتها السنوية، لتعود مرة أخرى إلى تشغيل الجدد منهم.
إن قيام الشركات بتسريح عمالتها في أي قطاع في العالم يحصل بسبب المشاكل التي تتعرض لها في عالم الاعمال والتجارة، وبسبب الظروف الاستثنائية التي تتعرض لها أحيانا، الأمر الذي يتطلب منها إعادة هيكلها الاداري والمالي لمواجهة المصاعب المستقبلية. فبعض تلك المؤسسات يمكن لها أن تعمل في ظل أعداد صغيرة من العمالة، وهذا ما نراه اليوم في الاعمال التي تقوم بها لحين تتمكن من التغيير في العمل اليومي.