نهتم في منطقتنا بالتطورات التي تشهدها الصين في مجالات التجارة والصناعة والابتكارات بالإضافة لموضوع النمو السكاني. فعلاقات الدول الخليجية بها متعددة باعتبارها واحدة من أكثر الدول استيراداً لكميات النفط السنوية التي يتم من خلالها الحصول على الموارد المالية لموازناتنا السنوية. وكلما زاد نشاط هذا الشعب وقدومه على استيراد حاجاتهم من النفط، فإن أسعار هذه السلعة تظل مستقرة وفي صالح اقتصاداتنا، وكلما تراجع وانكمش النشاط الاقتصادي والتجاري لديهم، فإن أسعار النفط تتراجع هي الأخرى. ولقد مررنا بتجربة “كورونا” عندما تأثرت الحركة التجارية والصناعية في الصين، الأمر الذي أدى إلى تأثر بعض الاقتصادات العالمية ومنها اقتصاداتنا بالمنطقة، كما كان لذلك الأمر تأثير سلبي مباشر على أسعار النفط بصورة كبيرة حيث تراجعت إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل في بعض الفترات.
ولذا نرى أن حيوية الشعب الصيني وزيادة نموهم السكاني السنوي بالصورة التي رأيناه في العقود الستة الماضية أصبح حديث المهتمين، حيث إن تراجع عددهم ربما يؤثر على نمو الحركة الاقتصادية في دول أخرى. واليوم فإن الأخبار الواردة تشير إلى أن عدد السكان بالصين تراجع للمرة الأولى منذ ستين عاماً مع تراجع قياسي في عدد الولادات. فهذه البيانات تشير أن عددهم وصل إلى 1.4118 مليار نسمة، بانخفاض 850 ألف نسمة عن عام 2021، في الوقت الذي لوحظ فيه أن السياسات التي عملت بها الصين في العقود الماضية لإبطاء حركة نمو السكان قد تحققت بصورة سلبية، حيث انخفض عدد الولادات وفق المكتب الوطني الصيني للإحصاء إلى 7.52 ولادة لكل ألف شخص في عام 2022 مقابل أكثر من 11 ولادة في عام 2021، في الوقت الذي سجلت فيه الهند 16.4 ولادة لكل ألف خلال العام الماضي. وهذا الأمر نتج وفق قيام الصين بإقرار سياسة الطفل الواحد منذ عام 1979 للتأثير على النمو السكاني، الأمر الذي أدى إلى فرض غرامات على العائلات المخالفة، وإلى عمليات إجهاض قسرية لدى بعض النساء، إلا أن هذه السياسة ألغيت عام 2016 بإنجاب طلفين، ومن ثم عززتها الحكومة الصينية عام 2021 بالسماح للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال، وتقديم إعفاءات ضريبية ورعاية صحية للأسر وتحفيز ومعونة مالية نقدية لمواجهة التدني في عددهم، إلا تلك الإجراءات لم تنجح في وقف التدهور الديموغرافي في بلد معروف عنه بالاعتماد على القوى العاملة في نمو حركتها الاقتصادية.
فالصين ليست الدولة الوحيدة التي اهتمت بتقليص عدد السكان لديها، فكثير من دول العالم ومنها بعض الدول العربية تتبع هذه السياسة الديموغرافية، إلا أنها عاجزة حتى اليوم في إيجاد حلّ للنمو السكاني المتصاعد الذي يتطلب من الحكومات توفير المستلزمات والخدمات الضرورية للشعوب. أما في الصين فتوقعات بعض الخبراء استمرار تقلص السكان خلال العام الحالي وما بعده أيضا ليصل عددهم إلى 750 مليون نسمة عام 2100.
الكل على علم بأن النمو السكاني الكبير يعني ارتفاع التكلفة المعيشية للأسر والعائلات، وخاصة في دولنا العربية والإسلامية التي تعاني معظم حكوماتها من فشل في السياسات المالية والاقتصادية، وقلة فرص العمل ومشاكل في الحصول على الخدمات الضرورية في مجال التعليم والصحة وغيرها. فهل تراجع المواليد هو الحل الأمثل؟