اتخذتْ عدة دول في المنطقة إجراءاتها الصارمة لمحافحة الفساد والفاسدين الذين كان لهم دور كبير في الاستيلاء على الممتلكات والعقارات العامة، والتلاعب في المناقصات، وتكوين الثروة المالية بدون حق، الذين يُقال لهم: “من أين لك هذا؟” بحيث دخل في هذه اللعبة كبار وصغار موظفي تلك الدول من المواطنين والوافدين ومن يقف وراءهم، في الوقت الذي لم يتمكن فيه المواطنون في تلك الدول من التعبير عن آرائهم بصورة صحيحة، إلا بعد ما بدأت الأجهزة الحكومية في التعامل مع تلك القضايا بمساواة دون النظر إلى مرتبة ووجاهة تلك الشخصيات التي اختلطت ما بين الأمير والغفير وما بينهما من مراتب أخرى، بحيث استطاع كل منهم أن يمارس الفساد بطريقته مع الذين ساعدوهم في تحقيق رغباتهم في ذلك.
من بين تلك الدول التي بدأت تمارس عملها في مكافحة الفساد في المنطقة وبطريقة مهنية وذكية المملكة العربية السعودية التي أعلنت مؤخرًا عبر النائب العام بالرياض أن اللجنة العليا لمتابعة الفساد أوقفت حتى الآن 320 شخصًا ما بين مواطن ووافد وأحالتهم إلى التحقيق لتعرف المزيد عن قضايا الفساد التي قاموا بها خلال السنوات والعقود الماضية، خاصة في المشاريع والمناقصات الحكومية والأساليب التي استخدموها للاستيلاء. وقد تمَّت مواجهتهم بتهم الفساد بالوثائق وبالأرقام بحيث لا يستطيع أحد منهم أن ينكر تلك التهم الموجهة إليه.
وهذا الحال منتشر في عدد من الدول الأخرى في المنطقة التي يعمل بعضها بصمت في مكافحة الفساد الذي يتحدث عنه الكثير من أفراد المجتمع. ومن خلال الإعلان الذي نُشر بهذا الصدد تبيّن أن الموقوفين في هذه التهم من الأمراء الذين لهم مركز ثقل سياسي واجتماعي واقتصادي، بجانب رجال الأعمال من السعوديين والأجانب من الدول العربية كلبنان واليمن والإمارات، ومن دول آسيوية مثل باكستان والهند والصين، ومن الدول الأوروبية: بريطانيا وفرنسا وأمريكا، في الوقت الذي تواصل فيه الجهات المعنية إيقاف مزيد منهم ممن وردت أسماؤهم في اللائحة، في الوقت الذي تمت الحجوزات على حساباتهم المصرفية وأموالهم ممن ثبت عليهم التهم الموجهة لهم.
ومن خلال تلك المحاكمات، تبيّن ارتكاب هؤلاء الأشخاص لجرائم الفساد التي مارسوها خلال السنوات الماضية وإثباتها؛ الأمر الذي دفع المسؤولين لإحالتهم إلى المحاكمات، إلا أنه استخدم معهم الرأفة ووسائل التسوية منها إعادة الأموال إلى الخزانة العامة للدولة السعودية، بحيث قُدرت قيمة الأموال المرتجعة بمليارات الدولارات التي تكفي لبناء دول كبيرة من تلك الأموال، وتوفير فرص عمل لمواطنيها، بجانب إلزامهم بالتنازل عن بعض العقارات التي استولوا عليها بسبب الفساد، ومنعهم من السفر إلى الخارج.
كما تم الكشف عن المبالغ التي تم تهريبها وتحويلها للخارج، والتي تعتبر مصدر قوة مالية للدول في حال استرجاعها. وهذا الأمر تفشى في المنطقة خلال العقود الخمسة الماضية، بحيث تحكّم بعض الأجانب في الأموال العامة لدول المنطقة واستخدموا نفوذهم بالتعاون مع بعض أفراد الأسر المالكة وكبار الشخصيات في نقل تلك الأموال بصورة غير قانونية، وتم إيداعها في بنوك ومصارف تلك الدول بجانب البنوك السويسرية والأوروبية، وهي بالمليارات وليست بالملايين، مع السماح لهم بترك 10% من ثرواتهم ليستمروا في العيش والرخاء.
والسعودية مستمرة في متابعة تلك القضايا وتعمل على استرداد أموالها المنهوبة من خلال المذكرات القضائية إلى الدول التي تمَّت فيها تلك التحويلات المالية الفاسدة الضخمة، وهي بالمليارات أيضًا. وهذه المبالغ تشكّل عنصرا قويًا في دعم التنمية والتقليل من العجوزات التي واجهتها المنطقة في السنوات الماضية بسبب الجائحة التي لحقت بالعالم، كما تشكّل فائضًا في موازنات الدول في حال استراجعها من هؤلاء الفاسدين الذين لعبوا في مصير الكثير من المواطنين والباحثين عن الأعمال في دولها.
ومن خلال هذه القضايا يتضح للجميع أن أعمال الفساد عرقلت التنمية في عدة دول وأوقفت المشاريع المجدية بسبب أعمال النهب والاستيلاء على مُمتلكات الحكومات بغير الحق، وهذا ما يجب تداركه بحيث لا تتعوّد الشعوب على ممارسة هذه الأعمال الفاسدة في الحصول على حقوق الآخرين.
إنَّ النتيجة النهائية للفساد دفعت دول المنطقة إلى فرض قوانين وضرائب على مواطنيها، وأدى الأمر إلى إفلاس بعض المؤسسات التجارية، وتسجيل عجوزات في الموازنات العامة ونقص في أموال صناديق التقاعد، وزيادة في عدد المسرحين عن العمل، وفشل بعض المشروعات الخدمية العامة والخاصة؛ الأمر الذي يتطلب من وسائل الإعلام والجهات المعنية أداء دور أكبر في الكشف عن قضايا الفساد.