Image Not Found

تأملات في عالم الطبيعة!

أ. د. حيدر أحمد اللواتي ** – الرؤية

من المتعارف عندنا أن للكائنات الحيَّة دورة حياة تبدأ بمرحلة تشبه مرحلة الجنين ومن ثم الطفولة فمرحلة المراهقة والشباب تتبعها مرحلة الكبر والشيخوخة وأخيرًا الموت، وقد نجد بعض الاختلاف في تفاصيل دورات الحياة عند الكائنات الحية، لكنها تتشابه من حيث المراحل العامة والتي أشرنا إليها، إلّا أن العلماء ومن خلال تتبعهم لعدد من الكائنات الحية المختلفة لاحظوا أن دورة الحياة المعتادة لا تمر بها جميع الكائنات الحية، فهناك كائنات حية لها دورة حياة مختلفة تمامًا، وسنتحدث في هذه العجالة عن 3 كائنات حية لها دورة حياة مدهشة وغريبة بحقٍ.

تؤدي التحديات والصعوبات دورًا محوريًا في دورة حياة هذه الكائنات الحية؛ فبعض أنواع البكتريا مثلًا، عندما تتعرض لظروف خارجية قاهرة كارتفاع درجات الحرارة أو انخفاض شديد فيها أو ارتفاع ملحوظ في الأشعة فوق البنفسجية في محيطها الذي تعيش فيه، فإنَّ هذه الكائنات لا تندب حظها العاثر ولا تستلم؛ بل تتعامل بحكمة مع التحديات التي تواجهها فتقوم بحماية نفسها، وذلك من خلال تعطيل أنشطتها البيولوجية المعتادة وتتحول إلى حالة سبات أو سكون دائم، وذلك عبر تحولها إلى ما يعرف بـ”الإندوسبور” وهو جسم يشبه بذرة النبات، لكن هذا الجسم الناتج والذي يدعى “الإندوسبور” على الرغم من أنَّه يتوقف عن القيام بالأنشطة البيولوجية المختلفة كالتكاثر مثلًا، إلّا أن بإمكانه أن يستشعر محيطه الخارجي ويتحسسه، ولهذا فبمجرد أن تتغير الظروف وتصبح مهيأة تعود هذه البكتريا إلى حالتها الطبيعية، وكأن شيئًا لم يكن!

لكنَّ المدهش في الأمر أن بعض البكتيريا تبقى في حالة سبات وسكون دائم لفترات طويلة، ومن ثم تعود لحالتها الطبيعية، فلقد وجد بعض العلماء أن هناك بكتيريا ظلت في حالة سكون دائم من خلال تحولها إلى إندوسبورم لملايين السنين، ومن ثم استفاقت فيما بعد وعادت تمارس حياتها الطبيعية بهمة الشباب وحيويته، ولذا فإن هذه البكتيريا تبقى نشطة وتدب فيها الحياة وتظل تصارع الموت مهما بلغت التحديات ومهما واجهت من صعوبات، فهي لا تمر بدورة الحياة المتعارفة بل تنتقل من مرحلة الكبر والشيخوخة إلى مرحلة الشباب مرة أخرى وهكذا دواليك.

وهناك كائن آخر لا يقل تمسكا بالحياة من هذه البكتيريا، فقنديل البحر هو من الكائنات البحرية العجيبة بحق، أحد أصنافه ويدعى Turritopsis يصفه البعض بقنديل البحر الخالد!

أما سبب تسميته بالخالد فيعود إلى طريقة مواجهته للتحديات المحيطة، فبعد كل محنة تعود له همة الشباب وحيويته!

فعندما يتعرض إلى ظروف قاسية كالمجاعة مثلا أو لظروف مناخية قاهرة كتغير مفاجئ في درجات حرارة المياه، فإن هذا الصنف من قنديل البحر يقوم بعملية غاية في الغرابة لنا نحن بني الإنسان إذ يعود لمرحلة الطفولة فيتحول إلى ما يشبه اليرقة، وتعرف تلك المرحلة بالبوليبات، وعندما تتحسن الظروف يبدأ بالنمو مرة أخرى وكأنه كائن جديد فلا يوجد في جسده ما يذكره بعمره الحقيقي، وهكذا فإن هذا الكائن البحري يكرر شبابه مرارا وتكرارا، فمرحلة الشباب ليست أمنية لديه بل واقع يعيشه ويرجع له، لذا فالتحديات والمحن التي يواجهها هي في حقيقتها منح وهبات إلهية ليرجع إلى النشاط والحيوية من جديد.

وهناك جنس معين من الديدان المفلطحة تدعى بلاناريا، ويقوم هذا الكائن الغريب بمواجهة التحديات والظروف القاهرة بأسلوب فريد وطريقة ينفرد بها عن غيره، طريقة لا يمكن لأحد أن يتصورها، إذ يقوم هذا الكائن العجيب بتناول جسده عضوا تلو آخر، ولكنه يبدأ بتناول العضو الأقل أهمية ومن ثم ينتقل إلى آخر أكثر أهمية وهكذا حتى يقضي على جميع أعضاء جسده ولا يبقى من كيانه إلا جهازه العصبي، وكأن روحه مستقرة في جهازه العصبي!

ويبقى هذا الكائن محافظا على جهازه العصبي أملا في تحسن الظروف وانتهاء فترة المجاعة ليبدأ بتكوين نفسه من جديد وبناء حياة جديدة مليئة بنشاط الشباب وحيويته!

وهكذا نلاحظ أن هذه الكائنات الحيَّة لا تمر بدورة الحياة المتعارفة عندنا فلقد كسرت القاعدة المعتادة، فهي تجدد حياتها مرة تلو أخرى وتبقى كذلك حتى تلتهم أو تفترس من كائنات أخرى!


مصادر المادة العلمية:

Nicklas Brendborg, Jellyfish Age Backwards: Nature’s Secrets to Longevity.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس