Image Not Found

ويستمر العطاء في سوق مطرح

خليل بن عبدالله الخنجي ** – الرؤية

سوق مطرح التاريخي أنموذج للأسواق العمانية المتواجدة في جميع ربوع عُمان منذ زمن ولكنه يتميز بموقعه الاستراتيجي في بندر مطرح، والبندر هو: مُرْسَى السفن في الميناء؛ حيث يستقبل البندر البضائع من العالم الخارجي.

ويُطلق مسمى البندر أيضًا على البلد الكبير مثل مدينة مطرح؛ حيث تتسع لاستقبال القوافل القادمة من حواضر عُمان والسفن من خارجها ليبيع الوافدون إليها السلع والمنتجات الوطنية والمستوردة ليشتري التاجر بأقيامها سلعاً محلية وهي معروفة وأخرى مستوردة، مثل الأرز والعدس والقمح والذرة والشعير والقهوة والشاي والسكر والملح، إلى آخره من منتجات تستقبلها فرضة مطرح والفرضة هي الرصيف الصغير الذي تحط على جنباته الهواري (جمع هوري وهو القارب)، ناقلةً البضاعة من الأبوام واللنشات والمراكب الراسية قبالة ساحل مطرح.

سوق مطرح الأشهر والأكبر من بين الأسواق العمانية الساحلية مثل سوق صحار الذي كان يوازي سوق مطرح سابقًا، إضافة لسوق مسقط الداخلي، وسوق صور، وقريات، وسوق صلالة، ومرباط، وبقية الأسواق الساحلية الصغيرة، وكذلك الأسواق في الداخلية وأشهرها سوق نزوى، وسوق بهلا، وسوق سمائل، وأسواق سناو، وسوق إبراء في الشرقية، وأسواق البريمي، وعبري في الظاهرة. ومعظم هذه الأسواق مردها في الغالب سوق مطرح في البيع والشراء والتعليم والعلاج حيث المدرسة السعيدية ومستشفى طومس، لذلك يكاد سوق مطرح هو البوابة الأهم للاستيراد والتصدير ومحطة مهمة لإنجاز المعاملات التجارية والحكومية مثل البيع بالجملة والمفرق والسفر إلى الخارج بعد استخراج جواز السفر من مدينة مسقط (حدود العاصمة العمانية حينذاك)، إضافة لذلك يتوفر في مطرح خطوط المراكب الحديثة واللنشات التي يعتمد عليها التجار في استيراد وتصدير بضائعهم ونقل الركاب من وإلى عمان في آن واحد.

لكن مما يميز سوق مطرح هو التخصص وعدم الإغراق بالمصطلحات الحالية حيث يشمل كل المهن والمنتجات التي يحتاجها المستهلك القاطن والقادم إليها برًا وبحرًا، فيوجد فيها مثلًا ثلاثة أنواع من الحلوى العمانية المشهورة وهي: حلوى سنجور؛ حيث يشتهر صانعها بالحلوى العمانية السوداء، وحلوى زهران إذا أردت أن تتلذذ بالحلوى المزعفرة وحلوى مكريري؛ حيث يتفنن سيف الأخزمي في صنع الحلوى العمانية البيضاء، وهناك لا شك صُنّاع حلوى آخرين في سوق مطرح يرفدونه بأنواع الحلوى والحلويات العمانية والهجينة الأخرى مثل الكربيراه والماهوه واللدو والجنجراتيه والزلابية، ولكن تبقى الحلوى العمانية الشهيرة هي مقصد الزوار خاصةً من دول الخليج العربي وفارس وزنجبار والهند وباكستان؛ حيث تشتهر الحلوى العمانية الأصيلة بأن مدة صلاحيتها للأكل تتجاوز عاماً كاملاً.

ومن المقاهي المشهورة في مطرح قهوة حاجي وقهوة خميس چوك في خور بمبه وقهوة سعيد المقهوي أمام بوابة مطرح الشهيرة وقهوة الخصيبي وقهوة سيد وقهوة علي بجارا حيث يتلذذ المارة بأكواب الشاهي الحليب المُعتق بالملاهي. ومن أشهر الخبازين في مطرح مخبز عوض ومخبز داؤد ومطاعم الجوادري والفص والأهلي الحيدرآبادي ومطعم جمعة وكذلك بياعين التبغ الغليون والأدوية الشعبية. وهناك أيضًا بائعو الماء ومغنمو القهوة العمانية المتجولون والدلالون بدرجاتهم المختلفة؛ حيث يوجد دلالون للمواد الغذائية وآخرون في سوق السمك وكذلك دلّالو سوق العرصة للفواكه والخضروات، ودلالو العقارات، والدلالون في سوق الحراج الذين يدللون على جميع أنواع البضائع القديمة. وهناك أيضًا الصرافون مثل الصراف لكُّوه، وناووه، وداؤد الصراف. ويوجد في السوق المختصون في بيع التمور العمانية من تمور الفرض والخنيزي والخلاص والمبسلي ومن أشهر التجار لهذا المنتج الوطني الهام هم ثلاثة: التاجر محمد بن سالم الوهيبي، والتاجر عبدالله بن سلوم، وكبير تجار التمور والبسور طالب بن محمد الزكواني.

وينقسم سوق مطرح إلى عدة أجزاء أولها الواجهة البحرية وبها حفيسات (offices) تاول والخنجي وموسى عبدالرحمن والحاج علي عبداللطيف وبرسوتم كانجي وعبدالفتاح المعيني وشير محمد وعلي عمر الزدجالي. أما سوق الظلام وهو سوق البيع بالمفرق؛ حيث يحرسه دكان علي للحلويات ودكان مادهوجي ويلجي؛ حيث يتخلل السوق تنوع كبير من المحلات التي تبيع الملابس والكميم والخناجر وجميع أنواع المقتنيات التي يحتاجها أو تحتاجها ربة البيت عدا المواد الغذائية التي لها سوق خاص أحدهم للجملة والآخر للتجزئة، ويستمر السوق في التعمق حتى يصل إلى سوق الغليون أو التمباك الذي يفصل سوق الظلام عن سوق الذهب.

في الجانب الآخر من السوق الذي يفصلهم خور بمبه وهو التقاء الوادي بالبحر هو سوق الجملة ؛ حيث يتخصص التجار هناك في البيع بالجملة بدءًا من الأواني والملابس والوزرة نهايةً بالمواد الغذائية بالجملة في طرف واحد وبيع المواد الغذائية بالمفرق في الجناح الآخر من السوق أما بقية المهن مثل الحدادة والصباغة والديباجة وسبلة الطعام فتنتشر في فروع سوق مطرح المتعددة.

وكذلك كراجات السيارات واللحام: هم كراج عبدالوهاب الأفندي وكراج محمد اللواتي وكراج منصور إبراهيم وحشمت وميرزا حسين وعلي أكبر توسلي وطبيب أسنان واحد فقط يملك عيادة أفنان للأسنان.

تاريخيًا.. سوق مطرح من أكبر الأسواق العمانية شهرةً على المستوى الإقليمي؛ حيث اجتمع فيه التجار من كل عمان واستقروا فيه ومارسوا مهنة الأجداد التي ولدوا عليها واستمروا بهذه المهن ولم يزاحموا الآخرين لذلك نجحوا وتفوقوا وخلفوا جيلًا متعلمًا امتهن أعمالا تفوق بها على آبائه التجار وذلك بسبب تقدم العلم وتطور المهن ووجود المدارس بل الجامعات لذلك تركوا السوق أسفًا وتوجه أغلبهم للوظائف الحكومية أو توسعت تجارتهم فخرجوا من سوق مطرح إلى الأسواق الجديدة في دارسيت وروي والوادي الكبير.

لذلك وجب الوقوف على هذه الظاهرة التي هي في الأصل طبيعية لأن لكل زمان دولة ورجال، ولكن بعد هذه المدة من ترك الحبل للأجنبي آن الأوان أن يسحب المواطن الحبل لصالحه، ولكن بتدرج وحكمة، يحتاج منا التخطيط له باعتدال وعدم الاستعجال في تعمين السوق من دون خطة محكمة، وإلا سوف تكون العواقب وخيمة ولا شك أن أهالي الولاية من أهل الحل والعقد وأعضاء المجلس البلدي وغرفة تجارة وصناعة عُمان أول الشركاء في الحل استذكارًا للمقولة المشهورة “أهل مكة أدرى بشعابها”، وذلك لكي يستمر العطاء في سوق مطرح على أكتاف الجيل الثالث من التجار والمهنيين الذين توفاهم الله إلى رحمته.

** الرئيس الأسبق لغرفة تجارة وصناعة عُمان