يعد الزيتون من أقدم النباتات التي عرفتها الحضارات البشرية فلقد اهتمت به عدد من الحضارات القديمة وخاصة تلك التي نشأت على حوض البحر الأبيض المتوسط الموطن الأصلي لشجرة الزيتون، واليوم فإن جميع البحوث العلمية تؤكد على فوائده الصحية الكثيرة وهذا ما جعل الإقبال عليه كبيرا ومن مختلف الشعوب في العالم أجمع.
وحديثا كشفت البحوث العلمية عبر عدد من الدراسات والتي أشارت وبشكل خاص لعدد من المركبات الكيميائية التي تتواجد بنسب متفاوتة في زيت الزيتون، ويعتقد بأن لها آثار صيدلانية وعلاجية مهمة، فلقد أشارت مجلة نيتشر العلمية والتي تعد واحدة من أهم وأشهر المجلات العلمية في بحث نشر فيها بأن مركب يسمى أوليكانثال “oleocanthal” يمتلك خواصًا مضادة للالتهابات وأن كفاءة هذه المادة تعادل كفاءة الإيبوبروفين، المادة الصيدلانية المعروفة بخواصها المضادة للالتهابات، كما أن هناك دراسات أخرى أشارت إلى أن مادتي تيروسول “tyrosol” وهيدروكسي تيروسول “hydroxytyrosol” اللتان تتواجدان في زيت الزيتون تعدان مواد مقاومة لعدد من أصناف الأورام السرطانية، وهناك مادة أخرى تتواجد في زيت الزيتون وتعرف بأوليكاسين “olecacein” يعتقد بإمكانية استخدامها لمقاومة سرطان الجلد.
وفي السلطنة، يعد إنتاج زيت الزيتون من الصناعات الحديثة نسبيا فلقد تم استزراع 15000 شجرة زيتون في الجبل الأخضر عام 2012، ويشير تقرير صادر عن وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه عام 2019 إلى أن إنتاج زيت الزيتون بلغ 8000 ليتر وبسعر يقدر بحوالي 20 ريالًا عمانيًا للتر الواحد.
ومن الملاحظ أن هناك عددًا من أصناف أشجار الزيتون التي تمت زراعتها في الجبل الأخضر جُلبت من دول مختلفة مثل اليونان وكرواتيا ومصر والبرتغال وأسبانيا وجنوب أفريقيا.
وبعد مراجعة الدراسات البحثية المختلفة المنشورة حول هذه الأصناف في بعض تلك الدول لوحظ أن تراكيز المواد الأربعة المشار لها يختلف من صنف الى آخر بصورة كبيرة فمثلا لاحظنا أن صنفا يدعى باللغة العربية بـ كليماتا ويزرع في السلطنة يحتوي على تركيز عال من مادتي أوليكاسين و أوليكانثال بينما يحتوي صنف آخر يزرع في السلطنة أيضا (بيكوال) على تركيز منخفض من هاتين المادتين وهكذا الحال مع المادتين الأخريين وهما تيروسول وهيدروكسي تيروسول، فهناك أصناف غنية بهما وأخرى لم يتم الكشف عنهما في الزيت المستخلص، الا أن البحوث العلمية تشير أيضا بأن تركيبة زيت الزيتون تتأثر بالبيئة بشكل كبير جدا ولذا فلا يمكن تعميم هذه النتائج على زيت الزيتون الذي يتم انتاجه من هذه الأصناف وتمت زراعته في مناطق أخرى وبيئات مختلفة.
ولهذا فان معرفة تراكيز هذه المواد المهمة في زيت الزيتون له أهمية بالغة من الناحية الاقتصادية والصحية، اذ أن تواجد كميات مناسبة من هذه المواد سيزيد من قيمة زيت الزيتون السوقية، إضافة الى الفوائد الصحية المشار اليها، ويمكن توجيه زراعة أشجار الزيتون في المستقبل بناء على جودة الزيت المستخرج من الصنف واحتواءه على المواد الصيدلانية المشار لها.
ومن هنا فقد قمنا بتقديم وإعداد مشروع بحثي يهدف إلى تحديد هذه المواد الأربعة في زيت الزيتون المستخلص من الأصناف المختلفة من الزيتون الذي تمت زراعته في الجبل الأخضر ومن ثم مقارنته بزيت الزيتون الذي يتم تسويقه في السلطنة ويتم إنتاجه في دول أخرى. وقد وافقت وزارة التعليم والعالي والبحث العلمي والابتكار على تقديم الدعم اللازم للقيام بالبحث المذكور على الرغم من المنافسة الشديدة؛ حيث تم دعم بحثين فقط من جميع البحوث المقدمة من كلية العلوم بجامعة السلطان قابوس.
ويتكون فريق البحث من كاتب المقال رئيس الفريق البحثي، إضافة إلى البروفيسور فخر الدين سليمان من قسم الكيمياء بكلية العلوم، والبروفيسور مصطفى الوالي من كلية الزراعة، ومن المتوقع أن يستمر البحث قرابة السنتين.
ومن الجدير بالإشارة، إليه أننا قمنا وفي وقت سابق بأول دراسة بحثية حول زيت الزيتون المنتج في الجبل الأخضر، حيث قمنا بتحديد مضادات الأكسدة في عدد من عينات زيت الزيتون المستخلص من الزيتون الذي تمت زراعته في الجبل الأخضر وقمنا بمقارنته بزيت الزيتون الذي يتم إنتاجه في دول أخرى مثل الأردن وتونس والمغرب وأسبانيا وفلسطين، ووجدنا أن تراكيز مضادات الأكسدة متقاربة في أغلب الأصناف سواء المسوقة أو المنتجة محليًا، وقد تم نشر البحث في أحد المجلات العلمية المحكمة والمتخصصة في هذا الشأن.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس