Image Not Found

الفصل بين الدين والسياسة

إرشاد بن موسى اللواتي

الفصل بين الدين والسياسة – في الدين الإسلامي – هو وهم نابع من تغليب المصالح الدنيوية على الدين. فالرسول قد أوصى المسلمين بمن يكون وليهم بعده (ص)، ولكنهم أوجدوا معاني بديلة “للولاية” التي بنيت على النص الوارد عن رسول الله (ص)، لأمير المؤمنين الإمام علي (ع)، الثابتة رغم اختلاف الروايات وتفاوتها في التفاصيل.
الدعوى بأن يكون المسلمون قد اتبعوا هدي الله أو رسوله في التوصّل لحل الخلافة، بأن تكون “الشورى” هي المنهج الذي تم تطبيقه، هي دعوى باطلة. فالخلفاء الراشدون الأربعة قد تسنم كل منهم السلطة بأسلوب اختلف عن البقية، حيث تنوعت طرائق تنصيبهم بين ما تمخضت عنه السقيفة، وبين توصية مباشرة، ودون أية مشورة متضمنة، وبين تسمية لواحد من ستة من الصحابة يتنافسون، يكون صوت أحدهم هو الفيصل، وبين اختيار جماهيري. وبعدها استولى بنو أمية على زمام الأمة بالقوة التي كانت تراكمت خلال ولاية معاوية على الشام، وانتهى المنهج إلى تعاقبٍ بالتوريث.
استمر الإمام علي بعد وفاة رسول الله (ص) في مقاومة الواقع المخالف لوصية رسول الله بالقدر الذي ثبّت القضية في نفوس المؤمنين القلّة، وللتاريخ، ثم التحق بالعامة في قبول الأمر الواقع درأً للفتنة. وظل معه القليل من صحابة رسول الله مع الوصية في “تقية”، دون خشية من التعرض للتعذيب أو القتل، ولكن امتثالاً لأمر إمام الزمان ابتداءً بأمير المؤمنين واستمراراً مع تتابع الأئمة الإثني عشر.
كون أن رسول الله قد أوصى بالإمامة بعده، فذلك يجعل الإمامة من الدين، وليس “السياسة” كما يُدّعى. ولكن الحوادث التي تلت وفاة رسول الله ونشوء “الخلافة” أدت إلى واقعٍ مخالفٍ للوصية، وانبثق وضعٌ جديد يجوز تصنيفه كسياسة. وبُني الأمر على “دعوى شورى”، التي لم تكن في حقيقة الأمر كذلك، بل محض سياسة مبنية على عامل الاجتهاد والقوة والقهر.
وفي مقابل ذلك فلم يقطع نشوء الخلافة امكانية استمرار الإمامة بوصية الرسول، رغم أن إطارها أصبح محدوداً في نطاق الخلّص من المؤمنين الذين أبووا إلا الالتفاف حول الإمام الوصي، وفي معظمه محاطاً بالتقية، خوفاً من بطش السلطة.
طاعة الرسول من طاعة الله عز وجل الذي أمر بها. والانصداع بها عبادة ونوال مصلحة وضعها الله فيها. ومن المعروف أن بين المسلمين الأوائل من اعترض على الرسول وعصاه في حياته قبل وفاته، وحتى في أمورٍ كان الرسول حازماً فيها، كسرية أسامة، على سبيل المثال، وطلبه القرطاس والقلم في مرضة الأخير. فلا يكون مستغرباً أن يستمر ويستفحل العصيان بعد وفاته، والتاريخ يشهد أن أمور الخلافة الأولى تم استكمالها حتى قبل دفن الجثمان الشريف، حيث كان الوصي منصرفاً إلى واجب استكماله مراسم دفن رسول الله (ص) كأولوية قصوى.
تطبيق وصية رسول الله (ص) هي بند من بنود دين الله الذي نتدين به، كما الصلاة والصيام وغيرها من الواجبات. وبذلك فمطالبة أمير المؤمنين بما يسمى “الحكم” لم تكن سوى استجابة للتكليف الذي وضع على عاتقه. وواجب المسلمين التسليم بالوصية واتباع الإمام الوصي. وتقصيرهم في ذلك مخالفة للدين.
أما ما يتعلق بأسلوب الحكم الذي نشأ تحت اسم “الخلافة” بترجيح الاجتهاد على النص، واعتبار أن الدين قد ترك مسألة القيادة ما بعد رسول الله دون حسم، فقد يجوز تسميته بالسياسة – كما أسلفنا. ولا شك أن الأمر الواقع يتشكل كمخاض للقوى المتلاطمة، منها من يتصدى للحكم ومنها إرادة الأمة التي تؤثر فيها رغبات الناس المتنوعة المتخالفة، ومنهم من يسلّم بما بلغه من أمر المولى تبارك وتعالى.
وخلاصة الأمر بين الناس تكون في مدى تغليب الانصياع لأمر الله على الأهواء، حيث قد يرى الناس مصلحة في أمر يخالف بعض ما أمر الله به ويغلّبون رؤيتهم واجتهادهم على أمر الله. أو أن يؤثر في الخيارات ما ورد من النصوص والروايات المتخالفة. فمن نوى اتباع أمر الله مبنياً على ما بلغه من التراث فلا شك معذور، مع بقائه محروما من خير يكون عز وجل قد وضعه في اتباع أمره، إن انحاز عن أمر الله.
{وَكُلُّهُمۡ ءَاتِیهِ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَرۡدًا}
[سُورَةُ مَرۡيَمَ: ٩٥]
واللهَ ندعو أن يهدينا ويسددنا ويصلح حالنا، لنا ولجميع أهل الإسلام.