لا ينكر المرء الاهتمام الذي تبديه دول مجلس التعاون الخليجي بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة نتيجة لأهمية هذه المؤسسات للاقتصادات المحلية من حيث زيادة القيمة المضافة من جهة، وقدرتها على استيعاب العمالة الوطنية الباحثة عن الأعمال من جهة أخرى؛ فهذه المؤسسات يمكن لها توفير الكثير من فرص العمل للخليجيين سواء في الأعمال الحرة أو في مؤسسات القطاع الخاص بسبب قلة فرص العمل في المؤسسات الحكومية، ونظرًا لأهمتيها خصصت الأمم المتحدة يوم 27 يونيو من كل عام يومًا للمؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
ومن هذا المنطلق استضافت العاصمة السعودية أعمال المُنتدى الخليجي لرواد الأعمال بتنظيم من الهيئة العامة السعودية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت”، وبمشاركة العديد من المسؤولين ورواد الأعمال الخليجيين. وتضمن المنتدى العديد من الأعمال لجذب الجهات الداعمة لريادة الأعمال، وحاضنات ومسرعات الأعمال، والجهات التمويلية في دول المجلس بهدف تمكين رواد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة من التعرف عليها والتوسع خليجيًا لاحقًا. كما سعى الحدث إلى تحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة على التعمق في أنشطتهم التجارية في المنطقة، والوصول إلى الفرص الاستثمارية والاستفادة من التجارب الريادية الخليجية الناجحة.
تتميز المؤسسات الصغيرة في المنطقة اليوم ببعض التجارب الناجحة في مجال حاضنات الأعمال، والتمويل والاستثمار الجريء لرواد الأعمال، والابتكار في مختلف المجالات خاصة في مجال الأمن الغذائي والبيئي لدول المجلس؛ فالمشاركون في أعمال مثل هذه المنتديات يتاح لهم -بلا شك- التعرف على الفرص الريادية لرواد الأعمال في المنطقة ومعرفة التحديات التي تواجههم وكيفية التوسع بجانب معرفة التسهيلات المتاحة لهم في تلك الأعمال.
هدف هذه المنتديات يتمثل في إيجاد فرص العمل لرواد الأعمال لتأسيس وإدارة مشاريعهم الخاصة، وانتزاع تلك الأعمال من أيدي الوافدين خاصة أولئك الذين اعتادوا على إدارة الأعمال التجارية عبر التجارة المستترة لعدة عقود مضت، ومنافسة المؤسسات الصغيرة القائمة التي تدار بالأيدي الخليجية. كما أن مثل هذه المنتديات تؤكد دائمًا على أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ليست بحاجة إلى دعم بقدر ما هي بحاجة إلى “التمكين” و”التنافسية”. ففي عدد من دول العالم فإنها تساهم بنحو 60% إلى 70% في الناتج المحلي في الاقتصادات، بينما لا تتجاوز هذه النسبة في عدد من الدول الخليجية 20%، الأمر الذي يتطلب بذل مزيد من الجهود لتغطية هذه الفجوة والوصول إلى النسبة العالمية كمستهدف. كما إن هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تساهم في إيجاد ما يتراوح بين 50 إلى 80% من فرص العمل في العالم.
وتشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أن المنشآت المتوسطة والصغيرة وبالغة الصغر مسؤولة عن توفير أكثر من ثلثي الوظائف في جميع أنحاء العالم. كما أنها تستأثر بأغلبية عمليات استحداث الوظائف الجديدة، الأمر الذي يتطلب معالجة التحديات التي تتعلق بظروف العمل والإنتاجية لها. فهذه المنشآت لا تكتفي بتوفير فرص العمل فحسب، بل تشكل أيضًا محركات للنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية. فهي تعد ركيزة من ركائز اقتصاديات دول العالم وتساهم في نمو الاقتصادات وتنوعها.
إنَّ تطوير ودعم بيئة ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة في المنطقة الخليجية يحتاج إلى التنويع الاقتصادي وفتح المزيد من الفرص الاستثمارية أمام رواد ورائدات الأعمال، وتعزيز وتبادل الخبرات العملية والعلمية بين الدول والمؤسسات الرائدة، بالإضافة إلى بحث المشاركة في إقامة المشاريع المشتركة التي يمكن أن تساهم في تطوير بيئة وريادة الأعمال، والعمل على مواجهة التحديات التي تُؤثّر على أعمال هذه المؤسسات ودعمها لرفع إنتاجيتها وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. فهذه المؤسسات في العالم تستأثر بما يعادل 70% تقريباً من العمالة، وهي نسبة كبيرة لو تحقق نصفها في المنطقة الخليجية خلال العقد المقبل. كما أنها تعمل أيضًا على توفير وظائف للشباب والعمال المسنين والعمال ذوي المهارات المتدنية، بجانب العمالة المتعلمة والمتدربة.
وسوق العمل بالمنطقة الخليجية قادرة على استيعاب آلاف من الباحثين عن عمل من خلال توجههم لإقامة مثل هذه المشروعات، والعمل على رفع مستوى الخدمات لها بما يفي المتطلبات والاشتراطات الخليجية والعالمية، الأمر الذي يساعدها في الحصول على عقود بعض الشركات والمؤسسات الكبرى في المنطقة.
إنَّ نجاح إدارة المؤسسات الصغيرة بدول المجلس يحتاج أيضا إلى العمل بالطرق العلمية والتعلم المستمر والتدريب، وعدم الاكتفاء أو التوقف عن الدراسة الجامعية؛ بل الاستمرار في التعلم ومتابعة كل ما هو جديد في عالم الأساليب الإدارية والترويجية والتسويقية، والمتابعة في الحصول على الدورات وصقل القدرات، لكي يتمكن أصحابها من توصيل منتجات مؤسساتهم وخدماتها إلى العالمية، والتوجه نحو التصدير للخارج بجانب الأسواق الداخلية؛ الأمر الذي يتطلب الوفاء بالاشتراطات والجودة التي تبحث عنها الأسواق العالمية.
وأخيرًا.. ثمَّة حاجة إلى 600 مليون وظيفة بحلول عام 2030، وفق بيانات الأمم المتحدة لاستيعاب القوى العاملة العالمية المتنامية؛ الأمر الذي يتطلب من الحكومات توجيه جهودها لتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإعطائها أولوية كبيرة، باعتبار أن هذه المؤسسات يمكن لها أن تخلق 7 فرص عمل من أصل 10 وظائف متاحة.