تعد الإنفلونزا الإسبانية التي أصابت العالم عام 1918 من أكثر الأوبئة العالمية التي حصدت أرواح البشر؛ إذ يُقدَّر أن ثلث سكان العالم قد أصيب بها وأن ما يقرب من 50 مليون شخص توفوا جراء الإصابة بهذه الإنفلونزا، غالبيتهم في سن المراهقة والطفولة، ومما ساعد على انتشار الوباء بهذا الشكل الكبير هو أن العالم كان ما زال يلملم جراح الحرب العالمية الأولى، وكانت الجيوش تنتقل بأعداد كبيرة من مكان إلى آخر في ظل ظروف تفتقر إلى كثير من طرق الحماية والوقاية من هذه الفيروسات (1).
وفي عام 2005، حقق العلماء إنجازًا علميا كبيرا جدا، فلقد استطاع بعضهم استخلاص هذا الفيروس من رفاة امرأة كانت مدفونة في منطقة نائية في مدينة ألاسكا في الولايات المتحدة، كما تم استخلاص الفيروس من رئة جندي أمريكي والتي تم تخزينها في أحد المختبرات المتخصصة في علم الفيروسات وتم الكشف عن التسلسل الجيني لهذا الفيروس الذي حصد أرواح الملايين واتضح أنَّه شبيه تماما بفيروس إنفلونزا الطيور الذي أصاب العالم في تسعينيات القرن الماضي، ورجح العلماء أن سبب نسبة الوفيات المرتفعة والتي قدرت بحوالي 20% من الإصابات بأن الفيروس كان جديدا على جسم الإنسان ولم يتعامل معه جهاز المناعة سابقا (2).
وفي عام 1997 انتشر وباء إنفلونزا الطيور والذي أدى إلى التخلص من ملايين الدواجن في هونكونج والصين، وامتنع الكثيرون عن تناول الدواجن خوفا من الوباء؛ حيث كانت المصدر الذي ينتقل منه الفيروس إلى الإنسان؛ إذ إنَّ الفيروس لم يكن ينتقل من إنسان إلى آخر وهذا مما حدَّ من انتشاره بشكل كبير.
ومن الملاحظ خلال العقود الخمسة الماضية حدوث 3 أوبئة عالمية أخرى، بدأت من مرض نقص المناعة الإيدز ومن ثم إنفلونزا الخنازير وأخيرا كوفيد-19، وكانت الفيروسات هي السبب في الأوبئة الثلاث، والأرجح أن هذه الأوبئة سببها فيروسات حيوانية المنشأ، كما إن تاريخ الأوبئة وقبل هذه العقود يُشير إلى أن مصدرها حيواني فبعضها انتقل إلى الإنسان من القرود وأخرى من الفئران والجراد وكذلك من الخفاش والطيور، كما حصل وأن انتشرت الفيروسات عبر الإبل أيضا في المملكة العربية السعودية وذلك في عام 2012؛ حيث عرف المرض بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”.
ولذا يرى البعض أن تواجد الحيوانات الضالة في وسط المناطق المأهولة بالسكان يشكل خطرًا على الصحة العامة وربما يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض، ففي دراسة أجريت في الهند على 219 كلبًا من الكلاب الضالة المنتشرة في مناطق مأهولة بالسكان ووجد أن 39% من هذه الكلاب الضالة مصابة بثلاثة أنواع مختلفة من الفيروسات المسببة للأمراض المختلفة (3).
ومن الملاحظ في السنوات الأخيرة انتشار الكلاب الضالة في عدد من الولايات في السلطنة كمطرح مثلا بشكل لافت للنظر وبأعداد كبيرة في مناطق مأهولة بالسكان. وانتشار هذه الكلاب الضالة ربما يزيد من احتمالية انتشار الأوبئة والأمراض ومن الضرورة بمكان على جهات الاختصاص المختلفة القيام بدراسات الظاهرة وأثرها الصحي، وأخذ الإجراءات اللازمة إن تطلب الأمر للتخلص من هذه الظاهرة المقلقة، وربما يحسن تجنب الاقتراب من هذه الكلاب الضالة دون التحقق من حالتها الصحية. وقد يعترض البعض بأن الكلاب تنتشر في الدول الغربية ولا يكاد يخلو بيت منها. فلماذا لا تنتشر الأمراض المعدية هناك؟
والجواب أن الكلاب الضالة تنتقل في بيئات مختلفة فهي تنتقل بين الجبال وأحيانًا تنتقل إلى بعض الكهوف ومن ثم تنتقل نهارًا إلى المناطق المأهولة بالسكان، ولذا فهناك احتمال مرتفع في أنها تتعرض لمختلف الحيوانات في الجبال والكهوف ومن ثم تنتقل الفيروسات من تلك الحيوانات إلى هذه الكلاب والتي قد تحملها وتنقلها إلى القاطنين في تلك المناطق، أما الكلاب التي يتم تربيتها في المنازل فإنها تبقى في مناطق معينة ولا تغير بيئتها المحيطة بها كما هو الحال مع الكلاب الضالة ولذا فاحتمال نقلها للعدوى يقل بصورة كبيرة.
كما نلاحظ أيضًا ظاهرة أخرى بدأت تلاحظ وهي ظاهرة تربية الكلاب لدى عدد من الأسر، ونرى أنه لابُد من تقنين المسألة وضبطها بحيث يتم التحقق من صحة هذه الكلاب وأنها خالية من الأمراض المعدية، حتى لا تنتشر تلك الأمراض في المجتمع.
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
المصادر:
Dorothy H. Crawford, Viruses, The Invisible Enemy.
J. K. Taubenberger, Proc Am Philos Soc. (2006), 150, 86-112.
A. V. Belsare, A. T. Vanak, M. E. Gompper, Transboundary and Emerging Diseases, 61(Suppl. 1) (2014) 78-8678