Image Not Found

متطلبات الانتقال من الإدارة إلى القيادة في العمل المؤسسي

أحمد محمود اللواتي* – عُمان

تحدث العديد من المحاضرين والخبراء عن القيادة، وأهميّة التحوّل من الإدارة إلى أسلوب القيادة، لأن القيادة تؤثّر على الإنتاجية والكفاءة والأصالة. فعلى مدى عقدين من الزمن تمّ إجراء أبحاث متنوّعة حول القيادة. كما تمّت دراسة مجموعة واسعة من المناهج النظريّة المختلفة لشرح تعقيدات القيادة. ووفقًا للعالم الأمريكي بيي (2019) القيادة هي موضوع يُعتبر من السهل التحدّث عنه، ولكن من الصعب تنفيذه في الحياة العمليّة.

تقدم هذه المقالة بعض الخلاصات المستنتجة من مقابلات أجريت مع العديد من قادة القطاعات في مجالات مختلفة من الأعمال، مثل الاستشارات والنفط والغاز والاتصالات وأمن المعلومات وقطاعات التوريد. تسلط المقالة أيضا على مجموعة من الأفكار المهمّة التي تساعد في انتقال المدير الناجح من كونه مجرّد مدير إلى قائد حقيقي، مثل “أهميّة وضع رؤية طويلة المدى، وتركيزه على القيم التي تعزّز العدالة، والقدرة على التكيّف في إدارة التغيير”.

في البداية لابدّ من الإشارة إلى أن أيّ منظمة تحتاج في إدارتها إلى كلّ من القادة والمديرين معًا، وقد ذكر العالم الأمريكي الشهير كوتر والمتخصص في أبحاث القيادة في بحثه الحاجة إلى كليهما؛ بحيث يكون للقادة دور قيادة المسار، بينما تكون مهمة المديرين جعل هذا المسار قابلًا للتنفيذ، فكلّما ارتقى الفرد في السلّم الوظيفيّ، كلّما كانت الحاجة أكبر إلى الانتقال إلى دور القيادة في المنظمة، لأن المهارات الفنيّة هي أكثر أهميّة في المستويات الدنيا والمتوسطة في إدارة الأعمال بحسب ما ذكره العالم نورثهاوس (2019) وفي هذا الموقع الوظيفيّ يمكن للمديرين أن يكونوا مناسبين لأداء دورهم في ذلك الموقع الوظيفيّ، أمّا القادة فيحتاجون إلى مستوى أعلى من الإدارة ليتمكّنوا من التغيير والتأثير في الآخرين.

وقد برزت من خلال المقابلات التي أجريناها مع قادة من مختلف دول العالم ثلاث سمات مشتركة رئيسة يجب على الأفراد مراعاتها أثناء الانتقال من الإدارة إلى القيادة، السمة الأولى الرؤية الطويلة الأمد، والثانية التفكير الأخلاقيّ، والثالثة القدرة على التكيّف في التعامل مع التغيير.

أولًا الرؤية طويلة المدى: وهي ما يميّز المديرين عن القادة؛ يضع المديرون جداول زمنيّة قصيرة الأجل وجداول أعمال، ويحدّدون الموارد اللازمة، بينما يضع القادة الاستراتيجيات، القادة هم عوامل التمكين الرئيسة لاستدامة الشركات وبقائها على المدى الطويل. القيادة ليست فقط تبادل أفكار الفرص المتاحة، ولكنّها تضمن تنفيذ الخطط الاستراتيجية. ونأخذ مثالًا جيدًا على مخطط استراتيجيّ ومنفّذ: ستيف جوبز، الذي حول شركة أبل من شركة كادت أن تفلس في عام 1997 إلى شركة تبلغ قيمتها أكثر من 1 تريليون دولار في عام 2018. تمكّن من ذلك لأنّه روّج لأفكار مبتكرة للموظفين، ثم بنى قاعدة صلبة وفقًا لذلك.

من ناحية أخرى فإن التاريخ مليء بأمثلة لقادة في العصر الحديث الذين لم يروا الفرص المستقبلية أو يتصرفو بناء عليها. كوداك وسيمنز وموتورولا ليست سوى عدد قليل من تلك الأمثلة.

ثانيًّا التفكير الأخلاقي: وهو القدرة على اتّخاذ قرارات أخلاقيّة تخدم العدالة والصالح العام للمجموعة أو المنظّمة أو المجتمع، بحسب تعريف العالم الأمريكي نورثهاوس (2019). لأنّ المؤسّسات في جميع أنحاء العالم تعاني من أزمات المعنى والسلطة الأخلاقيّة، والتفكير الأخلاقيّ يمكّن للقادة أن يؤدّوا دورًا أعمق وأكثر ديمومة في هذا المجال. ويمكن أن يكون من محفّز من محفزات القيم “مثل التميز والرعاية والعدالة والإيمان” كما طرحهما الكاتبان الأمريكيان بولمان وديل ( 2021)

يظهر القادة الذين تحرّكهم القيم نوعين من السلوكيّات، السلوك الأوّل: هو ظهورهم بمظهر القدوة في ممارستهم للمعتقدات والقيم التي يريدون من تباعهم أن يتبنوها. ومثال ذلك غاندي “عندما دعا إلى الّلاعنف في رغبته في التغيير والتزامه بتلك القيمة حتى اخر رمق من عمره”. أما السلوك الثاني: هو تحدثهم عن أهداف إستراتيجية لها إيحاءات أخلاقيّة، ويُعدّ خطاب مارتن لوثر كينغ جونيور الشهير “لدي حلم” مثالًا على هذا النوع من السلوك. وأما المثال الأبرز والذي جمع بين السلوكين هو النبي الأكرم محمد، صلى الله عليه وسلم، حينما جسد القيم الإنسانية المختلفة مثل التواضع وحسن التعامل والخلق الرفيع ودمجها مع وضوح الرؤية المستقبلية ذات الطابع الرباني والأخلاقي فتجلت على ضوء ذلك شخصية قيادية بلغت منتهى العظمة.

ثالثًا القدرة على التكيّف في التعامل مع التغيير: ويتجلّى ذلك، أولًا: في أهميّة إيجاد مجالات للتحسين وتهيئة الظروف لتنفيذ التغيير من أجل تحقيق نتائج أفضل. وثانيًا: في أهميّة الشعور بالألم لأنّه يعزّز فهم المشكلة، ويسمح بتجربة عمليّة لإجراء تعديل فعّال. كلّ ما سبق يوضح أهمية وجود مرشد أو نموذج يحتذى به يلهم أو يوجّه الشخص في إحداث تأثير.

ونظرًا لأنّه من المتوقّع أن يدير القادة التغيير، فإنّهم بحاجة إلى إدارة أنواع مختلفة من القلق الذي يصحب التغيير، كما قدمها العالم الشهير إدغر شين (2017). لذلك يجب على هؤلاء القادة أن يدركوا أنّ “الطريق إلى التغيير ليس مفروشا بالورود والرياحين دوما، ولكن السعيد هو الذي يتبعها!”. ومن المتوقّع حدوث آلام أثناء رحلات التغيير، وفي التاريخ دروس كثيرة يمكن التعلّم منها: الأول هو العمدة أنتوني ويليامز الذي أطلق عليه (رجل بلا قلب)، عندما أراد تحسين الخدمات العامّة، وتعديل العمليات الجارية، من خلال إدخال أنظمة إدارة الأداء في واشنطن في بدايات القرن الحالي والثانية هي دولوريس هويرتا التي تعرّضت للضرب المبرح من رافضي التغيير والذي أدّى إلى كسور من الدرجة الأولى بسبب طلبها الحصول على حقوق عمال المزارع، حيث كان هذا الطلب في تلك الأيام خروجًا عن المألوف وصعبًا. قد تكون سلوة القائد أن التأثير يكون ظاهرا بعد سنوات من هذا التغيير الإيجابي، فقد لوحظت آثار نجاح التغيير الذي أجراه العمدة أنتوني بعد عامين من العمل الدؤوب والمتواصل. كما أن الرئيس أوباما منح وسام الحرية لدولوريس بعد سنوات عديدة من صراعها للقيام بعملية التغيير في المؤسسة العمالية الزراعية.

في الختام، أرى أنه لا بد للشركات من المحافظة على الموارد البشرية واستثمارها من خلال أمرين، الأوّل: الاهتمام بالموظفين الموهوبين الذين يعدون قادة محتملون، والذين يواجهون تحديّات في تفويض الأمور التقنيّة اليوميّة والتي تعيق انتقالهم إلى الأدوار القياديّة؛ لذا على هذه الشركات توفير ميزانية خاصّة لتأهيل هؤلاء الموظفين، وتدريبهم مع كبار القادة على مهارات القيادة أثناء العمل.

الثاني، يجب على الشركات أن تظل متيقّظة لحقيقة أن بعض الموظفين الموهوبين يمكنهم الأداء بشكل أفضل في المجالات الإدارية بدلًا من الأدوار القيادية. وذلك لأنّ بعض الموظفين الموهوبين لديهم قدرات أفضل كخبراء في مجال معيّن يعد حاجة لجميع الشركات. ويوصي الكاتب بضرورة الموازنة في النسبة بين المديرين والقادة وفقا للطلب والحاجة. أيضا، تحتاج الشركات إلى إنشاء أنظمة تختار الموظفين الموهوبين بناء على مهارات المطابقة لملء المناصب الإداريّة والقياديّة. ويعتبر هذا عاملًا رئيسًا من عوامل التمكين للاستدامة والنجاح.

  • أحمد محمود اللواتي قائد فريق عمل في شركة تنمية نفط عمان وطالب دكتوراه في القيادة والابتكار في جامعة نيويورك