تشتهر دول من قارة آسيا مثل الهند وباكستان وتايلند بالمأكولات الحارة، وعادة يتصبب الإنسان عرقًا عندما يتناول طعامًا من أطعمتهم المشهورة إذا تم إعدادها بالطريقة المعتادة عندهم، وهذه الشهرة تجعل الكثيرين يظنون أنَّ الفلفل الأخضر الحار هو من أصول آسيوية، وقد كان الأوربيون في القرن التاسع عشر يطلقون على هذا الصنف “الفلفل الهندي”، لاعتقادهم بأنه من الهند… لكن ذلك غير صحيح، فكما يُقال “كم مشهور ليس له أصل”!
لو عدنا بالزمن إلى الوراء قرابة 5 قرون، لوجدنا أن الأطعمة الهندية والتايلندية والصينية كانت تقتصر على بُهارات معينة أشهرها الفلفل الأسود والقرفة، أما الفلفل الحار بلونيه الأحمر والأخضر فقد كان مجهولًا تمامًا في قارة آسيا ولم يُعرف إلا بعد أن قام كريستوفر كولومبوس بإحضاره من أمريكا اللاتينية عام 1494م، ومن ثم قام البرتغاليون بتصديره إلى الهند ودول آسيوية أخرى وإلى عدد من الدول الأفريقية وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي.
وقد يتساءل البعض، لماذا إذن ينتشر في هذه المناطق ويكثر استخدامه بها؟
يُجيب بعض الباحثين على هذا السؤال بأن سبب انتشار الطعام الحار والبهارات عمومًا في أغلب المناطق الحارة والرطبة، أكثر من انتشارها في المناطق الباردة، الى أن إضافة البهارات والفلفل الحار الى الطعام كانت وسيلة لحفظ الطعام في تلك المناطق من أن يفسد سريعًا، بينما لا حاجة الى ذلك في المناطق الباردة والتي عادة يحتفظ الطعام بجودته لفترة أطول، كما إن الفلفل الأسود وبعض البهارات الحارة الأخرى كانت تستخدم في تلك المناطق بكثرة، وهذا مما ساعد على انتشار الفلفل الأخضر الحار.
وقد اتضح فيما بعد أن سبب حرارة الفلفل الأخضر الحار هي مادة تعرف بـCapsaicin بينما يحتوي الفلفل الأسود على مادة أخرى تعرف بـPiperine، ولذا فإن تأثير حرارة الفلفل الأسود يتموضع في منطقة معينة من الفم، بينما الحرارة الناتجة من الفلفل الأخضر تملأ الفم بالكامل وقد تتعدى الى الأنف أحيانًا؛ بل وقد تتصبب عرقًا، لذا هي تجربة مختلفة تمامًا يشارك فيها الجسم بأكمله.
وتُقاس حرارة الفلفل الأخضر والأحمر بوحدة قياس تعرف بـ”سكوفيل” والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتركيز مادة الـCapsaicin، فكلما زاد تركيز هذه المادة ارتفعت حرارة الفلفل، وباستخدام هذه الوحدة فإن حرارة “الهالابينو”- مثلًا- تقدر بـ 500 سكوفيل، بينما تقدر حرارة الفلفل الأخضر التايلندي الصغير بحوالي 100 ألف سكوفيل، أما أشد أنواع الفلفل حرارة فهو صنف يعرف بـ”كارولينا ريبر”، وتصل حرارته إلى أكثر من مليوني سكوفيل، وهناك نبات آخر يوجد في جبال الأطلس وتصل حرارته إلى 16 مليون سكوفيل، ولا يستطيع الإنسان تناوله لأنه يسبب له ضررًا بالغًا.
وقد تتساءل ما هو السر في الإقبال على أكل الفلفل الحار وتعريض الإنسان نفسه لكل هذا الألم؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، لابُد من الالتفات الى أن الطعام الحارق والإحساس به لا يعد من حواس الشم أو من حواس التذوق؛ بل يرجع الى حاسة اللمس، فالحريق الذي تشعر به في الفم يقوم باستثارة مستقبلات الحرارة في الفم، وهي نفسها الموجودة في يديك وتحس من خلالها بحرارة الشاي مثلا، فالمادة الفاعلة الموجودة في الفلفل الحار تقوم بنفس عمل الحريق، لكنها لا تسبب عطبًا دائمًا لهذه المستقبلات، فينتهي أثرها بعد حين، ولذا يرى البعض أن المتعة التي يحس بها الكثيرون ممن يتناولون الطعام الحار هي نتيجة شعورهم بالقيام بمغامرة حقيقية دون تعريض أنفسهم لخطر حقيقي!
ويشير عدد من الدراسات الى أن الألم الناتج عن تناول المأكولات الحارة يؤدي الى ارتفاع الأدرينالين ومسكنات الألم الطبيعية التي يقوم الجسم بإفرازها نتيجة الشعور بلهيب الطعام الحار، وعند البعض فإن ذلك يولِّد شعورًا ممتعًا ومميزًا يستحق تحمل الألم الناتج من تناول الوجبات الحارة.
وهناك صنف مميز من أصناف البهارات الحارة، يختلف عن الفلفل الأخضر، ويعرف باسم “فلفل سيشوان”، وهو من النكهات الرئيسية في المطبخ الآسيوي، لكن أثره يتجاوز الشعور بحرارة الطعام الى شعور بوجود ذبذبات في اللسان، وقد أشارت دراسات إلى أن قوة التردد في هذه الذبذبات اللسانية تصل الى 50 هرتز تقريبًا، ويُعتقد أن مركب “هيدروكسي ألفا سنشول” هو السبب في ذلك.
لكن عليك أن تنتبه أن الإحساس بالحرارة الناتجة من أكل الفلفل الحار يكاد ينفرد به الإنسان، فعلى الرغم من أن الطيور تُقبل على أكل الفلفل، لكنها لا تشعر بحرارته؛ لأنها تفتقر إلى مستقبلات الحرارة الموجودة عند الإنسان؛ فالببغاء مثلًا يشعر بحلاوة طعم الفلفل الحار لا حرارته، لذا لا تنخدع عندما ترى الببغاء يستمتع بأكل الفلفل وتحقق من حرارته قبل أن تتناوله!!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس