تُستخدم الطماطم في أغلب دول العالم كصنفٍ من أصناف الخضروات وتتميز بلونها الأحمر، وهو نتيجة لوجود مركب كيميائي مُعين يصبغها بهذا اللون يسمى “ليوكوبين”، كما تتميز الطماطم بوجود عدد من الفيتامينات المهمة مثل فيتامين سي وفيتامين كاف وفيتامين ألف، إضافة إلى البوتاسيوم وحمض الفوليك وغيرها من المركبات الكيميائية المفيدة للإنسان، ولذا فالمتخصصون في التغذية يحثون على تناولها والإكثار منها.
ورغم كل هذه الفوائد إلّا أن الملاحظ أن كتب التراث الدينية والتاريخية تخلو تمامًا من ذكرها أو الإشارة لها، فلو قلبت ذلك الموروث رأسًا على عقب لما وجدت ذكرًا للطماطم! مع أن بعض هذه الكتب مليئة بأحاديث وروايات عن مختلف الأطعمة والأشربة، ومع ذلك فهي تخلو من ذكر الطماطم!
ومع أننا نادرًا ما نلاحظ اليوم أن تخلو مائدة طعام منها، لكن ما لا يعلمه الكثيرون أننا حديثو عهد بها، ففي شبه الجزيرة العربية لم تكن موائدنا تحوي على أي طعام يحتوي على الطماطم قبل حوالي قرن من الزمن!
ولذا فلو رجعت إلى موائد ملوك الدولة الأموية والعباسية مرورًا بمختلف الممالك التي مرت على عالمنا الإسلامي وحتى نهاية الدولة العثمانية لما وجدت أثرًا يُذكر للطماطم! فإذا كنت ترغب في تناول طعام عربي أصيل بحق، فعليك التحقق من كونه خاليًا من الطماطم فهي دخيلة على مائدتنا العربية!
ويقال إنَّ أول دولة عربية عرفت الطماطم هي سوريا حين جلب القنصل البريطاني في حلب بذور الطماطم؛ حيث تسمى بـ”البندورة” ومن خلال سوريا تم نقلها لتركيا وإيران، ومنها إلى العراق ومنها انتقلت إلى دولنا في الخليج العربي.
والأغرب من ذلك أن أوروبا برمتها بما فيها إيطاليا لم تشتهر لديهم الطماطم حتى القرن السابع عشر!، فالبيتزا والمعكرونة الإيطالية لم تشتهر إلا لاحقًا!
الطماطم كانت إحدى الثمار التي جلبت لنا من العالم الجديد الذي لم نتعرف عليه إلا في القرن الخامس عشر، فلقد قام كريستوفر كولومبوس بجلبها من دول أمريكا اللاتينية إلى أوروبا ومن ثم إلى بقية أجزاء العالم.
وبعد أن قام كولومبوس بإحضارها إلى أوروبا، تمت مقاطعتها وذلك للشك في كونها سامة، لأنها كانت تشبه ثمرة أخرى معروفة بسميتها وهي ثمرة الباذنجان القاتل.
كما إن الأغنياء في أوروبا كانوا يستخدمون أوانٍ من مادة الرصاص، وهي من المواد السامة، وكانت الطماطم تساعد على ذوبان الرصاص فيها مما يزيد من تركيزه ويسبب تسممًا لمن يتناولها، فقوي الظن بكونها سامة، ولذا فلا غرابة إن قرأت في كتاب قديم من كتب التراث الأوربي التي تهتم بالنباتات أو السموم ويحذرك من أكل الطماطم وما تسببه من ضرر، فلقد كانت تلك الثقافة سائدة آنذاك، ولكن تبين اليوم أن الطماطم من الثمار ذات الفوائد العديدة.
والواقع أن هذا هو الحال مع الكثير من الأطعمة، ففي كتب التراث قد نجد تحذيرا من بعض الأطعمة التي نتناولها وبالمقابل قد نجد ترغيبا بأخرى، لكن ذلك كان معتمدا في الغالب على توفر الطعام وعلى التجارب المتراكمة في ظل ظروف بيئية مختلفة وأساليب حفظ للأطعمة تختلف كليا عن الأساليب المتطورة التي نستخدمها اليوم ولذا فلا يصح الاحتكام إلى تلك الكتب في عصرنا الحالي فأدوات تقييم الأطعمة اليوم غدت أكثر دقة، كما أن الظروف البيئية تغيرت بشكل كبير.
وقد أدى عدم إقبال الأغنياء على تناول الطماطم إلى انخفاض سعرها، فأقبل الفقراء على تناولها ولأنهم كانوا يتناولون طعامهم في أوان خشبية فما كانت تسبب لهم أي آثار سلبية.
يبقى أن نشير إلى أن الطماطم التي نتناولها اليوم قد لا نتناولها في الغد وربما تغدوا جزءا من التاريخ، ولن نجدها في الأسواق خلال السنوات القادمة، فلقد استغل الإنسان المعرفة العلمية والهندسة الجينية وقام بإجراء بعض التعديلات الجينية على بعض الفواكه والخضار ومنها الطماطم، فشهد عام 2021 إنتاج طماطم معدلة وراثيًا في اليابان تحتوي على كميات تعادل خمس أضعاف ما تحتويه الطماطم العادية من ناقل عصبي مثبط يدعى “جابا”، وهذا الناقل العصبي يلعب دورًا مهمًا في السيطرة على مشاعر القلق والخوف والاكتئاب.
يمكنك أن تتناول واحدة منها إذا شعرت بالقلق مما قرأت!
** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس