Image Not Found

بين القيادة والإدارة

Visits: 12

محمد بن أحمد اللواتي ** – الرؤية

غالبًا ما يُشار إلى القيادة والإدارة في عالم الأعمال باعتبارهما شيئًا واحدًا؛ فالقيادة تمثل الرؤية، والإدارة هي التنفيذ. فمثلاً، بعدما تعطلت المدارس بمقاطعة بالتيمور بالولايات المتحدة بسبب تعرضها لهجوم إلكتروني مُدمر في 24 نوفمبر 2020، والذي كلف نحو 7.7 مليون دولار، كان من ضمن التوصيات ضرورة تواجد القيادة خلال الأحداث المؤثرة واتخاذ قرارات سريعة. (1)

نستنتج من التوصيات، أن القيادة لها التأثير بمستويات أعلى من الأداء، مما يترك التزامًا عميقًا في نفسيات المتابعين.

مفهوم القيادة والإدارة

يضرب البعض مثلًا، بأن الإدارة بمثابة جلوس المدير فوق العربة ويجرها موظفوه بسبب أوامره، بينما القيادة بمثابة وجود القائد في المقدمة، يجر العربة ويدفعها موظفوه.

المثل لا يعكس الحقيقة، فلا يمكن لشخص المدير أن يجلس فوق العربة دون مساعديه، كما إنه لا يستطيع إعطاء الأوامر ما لم تكن هناك مصلحة مشتركة. والحال كذلك بالنسبة للقائد، فهو لا يستطيع التواجد في المقدمة ما لم يتيقن بوجود من يدفع العربة.

والعربة لم تهبط من السماء ولم تتشكل من تلقاء نفسها، فهناك من أنشأها وأوصلها للمكان المعني، كما إن عملية الجر دلالة على وجود الهدف ووضوح المسار المتجه إليه. والمشاركة بالعمل تشير لوجود التأثير نتيجة للأهداف المشتركة، ولولاها لن يستمر العمل، وتواجد العربة نتيجة للجهود المُسبقة.

و”المظلة الشمسية” أقرب مثال لتوضيح الفرق بين القيادة والإدارة؛ فالقيادة هي المقبض المنحني، والأنبوب هم العاملون، والأضلاع هي الأعمال، والقماش المغطى هو الإدارة، والكل يحمي الأعمال عمَّا يحدث في البيئة المحيطة. في هذا المثل، القائد هو الذي يمسك جوهر الأعمال، ويسيرها وفقاً لما يرى الأحداث في البيئة المحيطة، فلا يقوم بفتح المظلة ما لم تكن هناك ضرورة لذلك. وما بعد فتح المظلة، تظهر أدوار مختلف الإدارات والعاملين.

ويمكن القول إن القيادة هي الرؤية والاستراتيجية والتمكين، بينما الإدارة هي تسخير الموارد في التنفيذ بالكفاءة لتحقيق الأهداف المرجوة.

أزمة جائحة كورونا

يُعد الرئيس التنفيذي لشركة “لينكِد إن” (أكبر شبكة تواصل اجتماعي بين المهنيين)، جيف وينر، أحد أكثر الرؤساء شهرة بالعالم حسب رضا الموظفين، فقد حصل على المرتبة الثامنة في عام 2019. استراتيجيته في الإدارة هي التعاطف في القيادة. والتعاطف لديه، هو وضع نفسك في حذاء شخص آخر ورؤية العالم من خلال عدساته بحيث تكون في وضع يمكنك من خلاله مساعدته. (2)

حدثت تحديات كثيرة أثناء جائحة كورونا، فقد استغنت العديد من الشركات في مختلف دول العالم عن بعض موظفيها لأجل إعادة الهيكلة وتقليل تكاليف التشغيل؛ بل وجدت بعضها، أن العمل عن بُعد، قد بيّن لها بعض المكامن وأوضح عدم الحاجة إلى بعض الموظفين، فاستغنت عنهم. وأيضًا، استخدمت بعضها التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات، للقضاء على الوظائف ذات الأجور المنخفضة. بالإضافة إلى أن خسارة شركة أوبر معركة قانونية في بريطانيا في فبراير 2021، يعيد إلى الأذهان أن ماهية الأعمال هي تحقيق الربح.

صحيفة “وول ستريت جورنال” نشرت تقريرًا في 20 أغسطس 2022، حول الاضطرابات في بعض المطارات الدولية، وقيل إن هذه الاضطرابات وقعت بسبب الإغلاقات خلال جائحة كورونا؛ حيث قامت شركات الطيران بتقليص الأيدي العاملة، ثم مع انحسار الجائحة، بدأت الحركة في الانتعاش، فواجهت المطارات صعوبات لضيق سوق عمل الأمتعة ووكلاء خدمة العملاء، وكانت الأدوار الأخرى تتطلب تدريبًا مكثفًا ومهلًا زمنية طويلة. وأيضًا، مع انخفاض أسعار النفط، كانت هناك مؤشرات بانخفاض أسعار التذاكر بنسبة 7.8%، مما زاد الضغط عليها. (3)

وحول انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الثاني من 2022، قيل إن مبيعات السيارات لها ثقل في التقييم، ولكن بسبب الجائحة، تغيرت سلوكيات الأفراد، وصاروا يركزون على المواد الغذائية أكثر من الكماليات. (4)

وخلال جائحة كورونا، تغيرت سلوكيات المستهلكين، والتي لم يؤخذ لها اعتبار من قبل، بالرغم من أنَّ هناك دراسات ذكرت أن الوضع ما بعد كورونا ليس كالوضع ما قبله. وهنا دعت الحاجة إلى إعادة التفكير حول منهج القيادة والإدارة في عالم الأعمال.

المنهج الجديد

في إعلان مُفاجئ، ذكرت شركة أديداس للمستلزمات الرياضية في 22 أغسطس 2022، عند تنحي رئيسها التنفيذي كاسبر رورستيد، أنَّه يستمر في منصبه خلال 2023 حتى يتم إيجاد البديل عنه. وأشارت الشركة إلى أنها واجهت 3 سنوات صعبة اتسمت بالعواقب الاقتصادية لجائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية. علمًا بأنَّ رورستيد، تم تعيينه في 2016، واشتُهر بخفض التكاليف. (5)

ونظرًا للمستجدات، فإن حصر الرؤية والاستراتيجية في القيادة يعكس الأفق الضيق، كما إن استبعاد دور الإدارة الدنيا يؤدي إلى عدم معرفة ما يحدث في البيئة الخارجية، لا سيما وهي المعنية مباشرة بالتعامل مع تلك البيئة. وبناء الاستراتيجيات يتطلب المعرفة الرقمية والمعرفة البيئية والاجتماعية والحوكمة. ولذلك، يتطلب إشراك الإدارة الدنيا والإدارة التنفيذية مع مجلس الإدارة في رسم السياسات.

الخلاصة.. ووفقًا لما تقدَّم، يتعين ضرورة مُمارسة الخيال الإبداعي في عالم الأعمال، واستغلال الفرص وحسن إدارة الموارد والمخاطر، وألا نحصر القيادة في عملية الإلهام والتوجيه والتخطيط بعيد المدى وحسب، وينبغي معرفة أنَّ الإدارة ليست معينة فقط بكفاءة اللعب داخل الملعب والتخطيط لفترات قصيرة المدى؛ فالكل يعمل على ارتقاء الأعمال.

وعليه، فإن القيادة هي العمل على الاستدامة، والإدارة هي العمل على الربح.


المصادر:

(1) https://www.k12dive.com/news/5-best-practices-baltimore-schools-learned-from-a-2020-ransomware-attack/622133/

(2) https://www.businessinsider.com/linkedin-ceo-jeff-weiner-speaks-on-culture-compassion-masters-of-scale-2019-11

(3) https://www.wsj.com/articles/travel-woes-in-europe-wont-end-this-summer-11660305602?mod=djemRTE_h

(4) https://www.investors.com/news/u-s-auto-sales-q2-slide-gm-ford-stellantis-idled-factories/#:~:text=Auto%20Sales%20Slow%2C%20Outlook%20Cut,units%2C%20below%20the%202020%20level

(5) https://www.fastcompany.com/90781266/adidas-ceo-kasper-rorsted-steps-down-2022

** دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي المالي