نشر الكاتب الألماني ثورستن جي باتبرغ مقالًا بعنوان “الحقيقة الوحشية عن اليابان” في إحدى الصحف الأجنبية، فهو مؤلف وكاتب وناقد ثقافي ألماني سلط الضوء في مقالته على الركود وانحدار اليابان تحت الحكم الأمريكي الكامل، إضافة إلى معاناة ألمانيا من هذه السيطرة الأمريكية أيضًا.
ويعمل باتبرغ أستاذًا في جامعة توديا المعروفة باسم “جامعة طوكيو”؛ حيث يركّز بحثه حول الهيمنة الأمريكية على اليابان وألمانيا في العديد من الشؤون التي تهم مجالات الاقتصاد والثقافة واللغة، مشيرًا إلى أنه درس بمعهد التاريخ بجامعة طوكيو لتقديم أطروحة في التاريخ حول المصطلحات البوذية. ويوضح الكاتب في مقاله أن المعهد المذكور ليس بعيدًا عن البوابة الحمراء باليابان؛ حيث يحمي الكتابات التاريخية السرية ويقع تحت الأرض، ولا يمكن لأي شخص الدخول إليه إلا ببطاقة هوية خاصة تُمنح له. ويضيف الكاتب أن الكثير من الناس لا يعرفون هذا السر، إلا أن معظم الجامعات النخبوية لديها ممرات تحت الأرض؛ حيث يتم تخزين الكتابات القديمة هناك، التي يعود تاريخها غالبًا إلى القرن السادس عشر.
وقد عمل الكاتب باحثًا بمكتبة جامعة طوكيو السرية الضخمة تحت الأرض، وكان تركيزه على تاريخ الترجمة، مشيرًا إلى أنه عندما اكتشفت القوى الأوروبية منطقة شرق آسيا على التوالي في القرنين السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وتم سقوطها، قاموا لاحقا بنسخ كل شيء. ومن خلال هذه الوسيلة تعلموا أفكارًا ومفاهيم ومصطلحات جديدة، وببساطة قاموا بتجميع تلك الأسماء والمصطلحات والمفاهيم الآسيوية وترجمتها إلى مصطلحات أوروبية، في الغالب إلى المفاهيم اليونانية.
المقال يتناول الكثير من التطورات التي حدثت في هذا الشأن، إلا أنه يركِّز على ما حدث خلال العام الجاري 2022 في جامعة طوكيو عن اليابان كدولة تابعة لأمريكا، متحدثًا عن قيام أمريكا بحرق طوكيو خلال الحرب العالمية الثانية بعد إلقاء قنابل ذرية على مدينتي ناجازاكي وهيروشيما، لتصبح اليابان لاحقًا تابعة لأمريكا، وتعيش كمستعمرة مُهمة نسبيًا في آسيا. ثم يتحدث عن المعجزة الاقتصادية الحقيقية التي حدثت في اليابان، مشيرًا إلى أنه لم يُسمح لألمانيا المهزومة أيضاً العمل بنفس التجربة؛ حيث تعرضت إلى القصف الكبير في الحرب العالمية الثانية، وتطلب الأمر لإعادة البناء والاستثمار الكثير من العمل والجهد المتواصل في العمل الاقتصادي. وبالطبع فإن المستفيد الرئيسي من ذلك لم تكن اليابان أو ألمانيا، ولكن المستفيد كانت هي القوة المنتصرة والمحتلة: أمريكا.
ويذكر الكاتب أن اليابان أصبحت في الثمانينات من القرن الماضي قوية جدًا في نشاطها الاقتصادي، وتمادت في غرورها الاقتصادي قليلًا، إلا أنّ أمريكا فرضت عليها عقوبات على جميع مجالات الحياة والصادرات الثقافية والسلع وإمدادات الطاقة اليابانية؛ الأمر الذي أدى إلى انهيار الكثير من الأمور، وبالتالي خسرت اليابان 40 عامًا من التنمية كما يقولون.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، أصبحت أمريكا فجأة القوة العالمية الوحيدة بلا منازع. ومنذ ذلك الحين تعرضت اليابان إلى المضايقة والاختناقات حقًا. واليوم يرى الكاتب أنها وصلت إلى مستوى منخفض جديد، نتيجة أن الولايات المتحدة أصبحت إمبراطورية لفرض العقوبات. فاليابانيون لا يُسمح لهم بالعمل مع الصين بطلاقة، كما لا يُسمح لهم بالعمل مع روسيا، ولا يُسمح لهم حقًا بالعمل مع أوروبا أو الهند أو أمريكا الجنوبية. وإذا فعلوا ذلك، على نطاق ضيق، فعندئذٍ يحدث فقط تحت إشراف أمريكي، وهذا ما يذكره الكاتب.
ويقول ماذا حدث في اليابان على مدار السنوات الماضية مع خدعة جائحة كورونا، مشيرًا إلى أن اليابان بالرغم من أنها لم تعاني في الواقع من هذه الجائحة بصورة كبيرة، إلا أنها اضطرت ولمدة ثلاث سنوات للتجول بأقنعة ورقية سخيفة على وجهها، وإزعاج السكان بالتلقيح ثلاث مرات بحقن الجينات الصهيونية من شركة أدوية أمريكية شهيرة؛ وهي فضيحة في رأي الكاتب؛ حيث كان بإمكان اليابانيين تطوير لقاح خاص بهم إذا سُمح لهم بذلك، ولكن لسوء الحظ فإن طوكيو ليس لديها خيار في ذلك.
ويرى الكاتب أن أمريكا الآن تخطط لشن حرب شاملة ضد روسيا والصين وكذلك إيران، ولكن لابُد أن نتذكر بأن روسيا والصين جارتان مهمتان لليابان. وكان من الممكن أن تصبح اليابان غنية من خلال تعاملاتها مع الصين منذ فترة طويلة، لكن أمريكا أعاقت تلك الخطط؛ حيث يرى الكاتب أن أمريكا أرادت ألا تكون اليابان ذات سيادة، ويجب ألا تجتمع وتتاجر مع شركاء آسيويين آخرين يتمتعون بالسيادة. واضطر سكان اليابان- البالغ عددهم 127 مليون شخص- إلى العزل لمدة تقارب 3 سنوات للبقاء في منازلهم، والعمل من خلال المنزل بما في ذلك من شركات ومدارس وجامعات، والتسجيل من خلال الدخول إلى الإنترنت. فهم بذلك بدأوا كغيرهم استخدام جوجل وأمازون الأمريكية، ويوتيوب وتويتر وأوبر إيتس الأمريكية. واستخدموا زووم لعقد المؤتمرات، فيما عالجوا حركة مرورهم الإلكتروني من خلال شركة البريد الإلكتروني التي تنتمي لأمريكا وهي هوت-ميل، وجوجل، وياهو وغيرها.
ويرى الكاتب أنها أعظم مزحة إمبريالية أمريكية نواجهها في تاريخ العالم. وهذا الاغتصاب يسمونه اليوم بـ”العولمة”. ويشير الكاتب إلى ما حدث أيضًا مع ألمانيا، فليس لها ولليابان أموال بنسبة 1% كما تمتلكها أمريكا؛ فالدولتان تستضيفان العديد من القواعد العسكرية وآلاف الجنود الأمريكيين مزودين بغواصات وطائرات نووية. لا تجرؤ الدولتان على إرسال جنودهما إلى أمريكا، ولا ينبغي لهما التجرؤ على قول أي تهديدات أو مطالب أو حتى عقوبات ضد أمريكا.
ويرى الكاتب أن الشعبين الياباني والألماني متلقون فقط وليسوا مُرسلين. والخلاصة أن اليابانيين مشلولون حاليًا، وأنهم “متأمركون” بالكامل الآن، وهذه الأقنعة دلالة على الخضوع، وأن عددًا لا يحصى من شركات أمريكية مثل ماكدونالدز، وستارباكس، واوبر إيت، وأبل، تقوم باختراق الجامعات، موضحًا أنه إذا كنت تريد أن تصبح أستاذًا في جامعة طوكيو، فيجب أن تكون قد درست في إحدى الجامعات الأمريكية. واليوم فإن الكلمات اليابانية – أو الكلمات الآسيوية بشكل عام- غير مرغوب التعامل معها في العلوم العالمية ويتم قمعها. فاليابان أصبحت اليوم أكثر اعتمادًا من أي وقت مضى، وتحت الهيمنة الأمريكية الكاملة، خاصة في ظل الممولين العالميين، ونظام الدولار، والعقوبات، والدعاية المتطرفة، ومن الصعب جدًا إقامة علاقات ثنائية مع دول أخرى، وهذا ينطبق أيضًا على ألمانيا، كما أشار الكاتب.
مثل هذه الدول عليها أن تستورد على نطاق واسع من أمريكا أو من شركائها، والعيش في ظل الخوف، وإذا خرجت طوكيو أو برلين عن الخط ولو مرة واحدة، فإنَّ الإمدادات الغذائية وإمدادات الطاقة والتحويلات المصرفية والتجارة ستتوقف على الفور.
هناك الكثير في هذا الشأن، والموضوع يحتاج إلى مزيد من الطرح، وقد تم نشره باللغة الإنجليزية، والكاتب يؤكد ضمن مقاله أنه باعتباره أستاذًا ألمانيًا أو من أوروبًا فإنه سيكون في أسفل التسلسل الهرمي لدى أمريكا في حال عدم الانصياع إلى تعليماتهم. ويجب على كل شخص جامعي الانتماء إلى أمريكا ليلمع صيته مستقبلًا، فالناس أصبحوا يعيشون في عبودية اليوم، ويختزل الكاتب التاريخ البشري في صيغة واحدة وهي: “إذا لم تقاوم، فأنت عديم القيمة”.