بينما أكتب هذه السطور فإن بلدنا العزيز يعيش بقطاع واسع من سكانه جولة نقاش ساخن ولغط كبير حول زيارة مزمعة لأحد “المفكرين الهندوس” إلى أراضي السلطنة، في مهمة تم الإعلان عنها تحت عنوان “حماية التربة”. وهي جولة تبناها هذا المفكر ليتمها على مدى 100 يوم، متنقلاً من بريطانيا إلى الهند على دراجة نارية، والتوقف بالبلدان التي يمر بها ومنها العديد من بلدان الشرق الأوسط قرب نهاية رحلته، للاختلاط مع أهالي البلدان التي يتم تغطيتها وإلقاء محاضرات وربما عقد ندوات واجتماعات مع المسئولين. والإنسان الذي نتحدث عنه هو “سادغورو جاغي فاسوديف”، وبينما أشخصه بالإسم، فالمقصود أن يبقى الحديث والنقاش في الأفكار، وليس الحكم على الشخوص…
فما المشكلة في فكرة هذه الجولة، ولماذا التمحور والاحتراب الفكري بين مؤيدين بشدة ومعارضين بشدة…؟
هذا المفكر شخصية فكرية دينية مرموقة في بلده وبعض بلدان الغرب حيث كوّن شعبية كبيرة بمنطقه الرصين في مناقشة أفكار الأخرين، ومنه الدعوة غير المباشرة لأفكاره وديانته (التي يصفها بأنها عدم التعلق بمعبودٍ، أيًّا كان، وبأنك تجد عشرات الآلهة في كل أسرة!)، كما أنه يتبنى المواقف من النصوص الدينية الهندوسية لمناقشة الأفكار التي تطرح عليه. وبرنامح الرحلة المستمرة يتلخص بأنه يطرح موضوع “قدسية التربة” وأهميتها للبشر، ويتنقل بين البلدان على دراجته النارية، وفي عز الصيف حيث تبلغ درجات الحرارة في المنطقة منتصف الأربعينات المئوية. الرجل مهتم بشدة في إظهار مظهره بمنتهى التطرف، بملابسه وأصباغ الوجه الدينية الهندوسية، وبلحية تجعل من وجهه “كرة قش” ضخمة، وباستعراض مهارته في قيادة دراجته النارية بذلك المظهر. ولا اعتراض مطلقاً على خياراته الشخصية في هندامه ومظهره، سوى على الذين يسعون في إبعاد صفة التطرف عنه.
ثم إن موضوع “حماية التربة” بحث علمي بامتياز، يأخذ في اعتباره العلوم البيولوجية والجغرافية وعلم المعادن والكيمياء، وغيرها، ولا يستقيم بالأطروحات الفلسفية – مع كل احترامي وتقديري لها. وحينها ينصبّ الاهتمام نحو مصداقية أية دعاوى علمية يبنى عليها االتقييم بالجدوى من عدمها. ولست شخصياً مطلعاً على أية عناصر طرحت في أهلية الشخص في هذا المنحى.
والمفكر له آراء ومواقف حول الآيديولوجيات والأديان المختلفة في العالم، يظهر أنه بذل جهداً في دراستها، ويرجع لتلك المعرفة في إدارة حواراته واجتماعاته وندواته التي تجتذب حشوداً ضخمة. ولديه فريق يضطلع بالتنظيم والدعاية يساعده فيه الجمهور الواسع المليوني الذي ينجذب إليه، غالبيته من الهندوس والمتحررين دينياًّ وفكرياًّ من الغرب والشرق. ولا يخفي مواقفه الناقدة والسلبية تجاه الإسلام والمسلمين، بل لعله يحمّل الدين الإسلامي ذنوب ما يدّعي أن المسلمين قد ارتكبوها ضد الأمة الهندية في مطلع انتشار الدين الإسلامي في القارة الهندية، لدرجة أنه ينادي بمغادرة المسلمين “المحتلين” للقارة الهندية كما غادرها البريطانيون المحتلون أخيراً…
فلدينا فيه خليط من الفكر الوثني الهندوسي وحقد واعتراضاً على عقائد الإسلام وعنصرية ضد أبناء بلاده ممن تحوّل للدين الإسلامي قبل قرون. في مقابل ما تطرقت له من شعبيّة واسعة يكفي في تعدادها العنصر الهندي الهندوسي لتشكل كتلة كبيرة، قد يعتدّ بها البعض من باب “عدد الأصوات” عند تطبيق مبادئ “الديموقراطية” المزعومة، إضافةً إلى عنوان الجولة العالمية المتبنّاة الذي يرتبط بما نكن له جميعاً اهتماماً كبيراً. بالطبع، فإن السفارات الهندية في كافة البلدان التي يتم تغطيتها تلعب الدور للإعداد لزيارته، والجمهور الهندي الهندوسي الذي يتواجد في معظم تلك البلدان بأعداد ونسب غفيرة من السكان تحت عنوان “العمالة الوافدة”.
وتلك الخلفية يجب أن تفرض على المتعقلين النظر في الاحتمالات الإيجابية والسلبية على حد سواء، خصوصاً عندما يكون نطاق التأثير واسعاً على مستوى الجماهير، المثقفة المحصنة ضد تغلغل الأفكار الغريبة، والبسيطة التي تعوّل على كون المجتمعات بها طبقة ترشح الغث من السمين، من الأطراف الحكومية والثقافية والاجتماعية والدينية.
في نظري، الرأي الموضوعي حول جواز إتاحة الفرص لمثل هذا التلاقح الفكري يجب أن يُبنى على دراسة كل تلك العناصر، وغيرها يكون أكثر، قبل الحكم باتجاه واحدٍ نابع من رد الفعل العاطفي المنطلق من نبذ الواقع والسعي في التحرر واستعراض الحداثة، بافتراض أنه الوحيد الذي يفهم ويدرك وبقية الناس لا يسعهم استيعاب كل تلك الأمور… ذلك، بدلاً من السخرية والاستهتار بالرأي الآخر.
أنا لن أحكم في هذا المقال برأيٍ صريح، رغم أن مناقشتي للموضوع لا تبقيه خافياً. وأترك للقارئ والمهتم إدلاء دلوه.