(1) لا يمكن من وجهة نظري لأي زعيم أو رجل دين هندوسي أن يؤثر في معتقدات وإيمان المتبعين للديانات التوحيدية، فالديانات التوحيدية رغم حداثتها تاريخيا مقارنة بالهندوسية، إلا إنها تقدم محتوى دينيا روحيا وماديا عميقا، يصبح معها التخلي عن التوحيد مقابل الإيمان بآلاف الآلهة وتقديس الشخصيات والحيوانات المفرط أمرا غير مقبولا ولا مرغوبا. أقول هذا بعد تجربة مباشرة مع طقوس ومعتقدات الهندوسية ومع انفتاحي على الديانات بشكل قد لا يتفق معي فيه الآخرين، وما يفترضه البعض من التأثر بهم، إلا أن طقوس العبادة والحياة وحتى الجانب الفكري في الديانة الهندوسية لا يمكنها حسب تجربتي أن تتناسب مع أتباع الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية، ولا يمكنها شخصيا أن تقدم لي الراحة الإيمانية والاطمئنان الداخلي والسلام النفسي الذي أشعر به.
ولذلك فإن تبرير المطاوعة ومن معهم برفض الزيارة لداعي التبشير أو استقبال زعيم هندوسي يبدو محيرا! أود التنويه هنا قبل مناقشة هذه النقطة، أني شخصيا ضد التبشير الديني لأي ديانة حتى لو كانت ديانتي، والتبشير المذهبي حتى لو كان مذهبي بشكل مطلق.
ألم يلتفت هؤلاء إلى أن بعض من أشهر العائلات التي مُنحت الجنسية العمانية هي هندوسية الأصل وما زالت كذلك، وأن هذه العائلات التي نعرفها جميعا تضمها علاقات مصاهرة ومصالح اقتصادية مع شخصيات عمانية الأصل من ….. ؟ وإذا كانت هناك خشية من التبشير فالأولى أن يلتفتوا إلى أنشطة هذه العائلات وما يُشاع عن ترويجها للهندوسية داخل عُمان من سنوات طويلة، بل وما كان يُشاع عن دعمهم ماليا لجماعات هندوسية متطرفة في الهند، وما يُعرف عنهم في عُمان من تفضيلهم لتوظيف الهندوسي على غيره. والسؤال الآخر هنا ألا يحق لهذه الأقليات الهندوسية العمانية (شئنا أم أبينا) أن تستضيف زعمائها وقادتها مثلا إذا لم يُعرف عنهم التطرف؟
(2) قبل شهر تقريبا حضرت مع مجموعة المتطوعين لتنظيم زيارة سادغرو إلى عُمان، بعد الخروج من الاجتماع دخلت إلى موقع سادغرو لمتابعة مسار رحلته (100) يوم ولاحظت أنه سيزور دولا عربية عديدة، لكن الغريب ان زيارته للكيان الصهيوني والتي كانت في الأسبوع الثاني من شهر مايو 2022 لم تكن ضمن الجدول. عموما قمت بالتسجيل للحضور. وقبل أيام أشار أحد الأصدقاء في منشور فيسبوكي إلى زيارة سادغرو هذه. وفي مقاطع فيديو على النت حول الزيارة مدح سادغرو النظام الزراعي الصهيوني وألقى محاضرة حضرها الآف في “تل أبيب”. بالنسبة لي كان هذا الخبر هو ما غير كل شيء الآن ومستقبلا. وهو السبب الذي جعلني أتراجع عن كل حماسي لمؤسسة ايشا التي أسسها سادغرو، والتي شاركتُ فيها سابقا إما بجلسات التأمل واليوغا أو بالسفر ضمن رحلة لزيارة المعالم الهندوسية. وهكذا ألغيت تواصلي مع مجموعة المتطوعين وأبلغتهم بالسبب.
قد لا يكون سادغرو أول ولا آخر شخص يدعم الكيان الصهيوني ويقوم بزيارة عُمان، جميعنا نعلم تاريخ الشخصيات الصهيونية التي وطئت قدماها أرض عمان “الطاهرة” كما يحب البعض أن يعيش في يوتيوبيا البلاد المُقدسة. ولكن ينبغي أن يكون هذا السبب عاليا وفي مقدمة الأسباب التي تجعلنا نقاطع جلساته ولقاءاته، بل ربما من الضروري ان يحضر سادغرو إلى قاعة اللقاء ليجدها فارغة من الجمهور العماني لسبب وجيه وليس لسبب ساذج مثل الترويج للهندوسية، مع ملاحظة ان سادغرو يقول في تسجيل فيديو له am not a temple person أي أن زيارة المعابد الهندوسية ليست مهمة بالنسبة له.
(3) المشكلة النابعة من قدرة مجموعة من الغوغائيين التويتريين على إثارة الضجة حول كل شخصية عامة تزور عُمان هي في بروز الخطاب الديني المتشدد ويبدو أننا استلمنا عباءة الإقصاء بعد أن خلعتها جارة مجاورة. والطريف والمؤسف معا أن هؤلاء الغوغائيين أصبحوا هم من يقودون أفكار وقرارات الشخصيات القيادية والتي يُفترض بها الحكمة والتعقل، وأصبحت هذه الشخصيات النخبوية مُقادة من الرأي العام الذي تتفاوت درجات وعيه، بدلا من أن تقوم هذه النخبة بتوجيه الجماهير وتصحح مسارها.
وجميعنا نذكر كيف تسببت هذه الثلة في منع مفكر وباحث جاد مثل فراس السواح من الحضور إلى عُمان دون تريث وتفكير في أسلوب الحوار الهادئ، وأصبح المنع والرفض، والتشدق بطهارة الأرض وثبات المعتقد هو ما نسمعه مقابل أسطورة التسامح العماني التي ولى زمانها.