في الوقت الذي يشهد فيه العالم نمواً كبيراً في مبيعات الاسلحة بسبب زيادة الانفاق العسكري وفق تقرير مؤسسة (سبري) السنوي، فان أعداد الفقراء يتزايد هو الآخر بالعالم نتيجة عدم حصولهم على المستحقات المطلوبة لمواجهة الارتفاعات في قيم المواد الغذائية. فمن المتوقع أن تخلّف الحروب والمناوشات التي تشتعل في العالم مزيداً من الفقراء خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي سوف يؤدي إلى انتشار مزيد من الفقر والجوع والحرمان بين شعوب العالم، وخاصة الفقيرة والضعيفة منها بسبب عدم قدرة الناس في الحصول على دخل مناسب لمواجهىة التضخم والزيادة في اسعار الاغذية في العالم.
ومع الحروب الحديثة مثلما هو حاصل في الحرب الروسية الاوكرانية، فان كثيرا من حكومات العالم سوف تقوم بتخصيص مزيد من الأموال للانفاق العسكري، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة أعداد اللاجئين والمحتاجين والفقراء والمحرومين في العالم.
ومع هذه الأزمات التي يمر بها العالم منذ عدة سنوات بدءاً بالأزمات المالية ثم جائحة كوفيد 19 والحرب الروسية الاوكرانية، والحروب الصغيرة الأخرى وما ينتج عن ذلك من مشكلة الغذاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فان الأمر يتطلب من الحكومات بضرورة اعادة النظر في ترسانات الاسلحة التي تمتلكها والتي تزداد قيمتها السنوية، بحيث ارتفع الانفاق عام 2021 بواقع 2.1 تريليون دولار. وهذه المبالغ يمكن من خلالها محو الفقر والعجز البشري في العام، وتأسيس آلاف المشاريع الاقتصادية المجدية للشعوب وتشغيل جميع العاطلين والباحثين عن العمل.
ويتبين ان جميع الدول الغنية في العالم لم تتراجع في تخفيض نفقاتها العسكرية، وعلى هذا المنوال تتبعها الدول الأخرى بنفس النهج سواء أكانت من الدول المنتجة للنفط أو غيرها من الموارد الطبيعية الأخرى. فالكل يتسابق في الحصول على الاسلحة وذخائر الحرب المعقدة، في الوقت الذي نرى فيه أن هناك أعداد كبيرة من شعوبها تعاني من شدة الفقر وقلة الغذاء وغياباً في توفير الخدمات الاساسية التي تحتاج إليها الناس من الصحة والتعليم والمياه والكهرباء وغيرها من الخدمات الاجتماعية الضرورية الأخرى.
فالانفاق العسكري في بعض الدول يفوق على المتوسط العالمي وخاصة وسط تصاعد التوتر في العالم بسبب الحرب القائمة الان بين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، الأمر الذي من المتوقع أن يستمر الإنفاق العسكري نمواً في الدول الاوروبية وخارجها، حيث تعمل جميعها الحفاظ على التفوق التكنولوجي لجيوشها.
العالم لا يحتاج اليوم إلى توفير هذه المليارات لانتاج وشراء الأسلحة والذخائر العسكرية، وإنما يتطلب تخصيص جزء من هذه المبالغ لتوجيهها وتعبئتها للاستثمار في مجالات الابتكار والبحوث والتطوير في المجالات الانتاجية في الزراعة والأسماك وغيرها من الموارد والمواد الغذائية والمنتجات والسلع التي تتميز تنوعاً وأعلى قيمة غذائية لسكان العالم الذي يتزايد يوما بعد يوم، بهدف تحقيق تنمية خضراء شاملة لجميع سكان العالم، مع الاستمرار في تعزيز صحة الناس وتعليمهم ورفاهيتهم وإصلاح الانظمة الاقتصادية والاجتماعية ليعيش الناس في هدوء وسلام وأمن وعمل انتاجي مستمر. وهذا ما تهدف إليه التشريعات السماوية والقوانين الوضعية للمؤسسات الدولية لإنهاء الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في العالم التي بدأت تتراجع بشكل مطرد بسبب الحروب والازمات الاقتصادية التي تواجهها البشرية جمعاء.