
بعد أكثر من نصف قرن من الزمان أزور اليوم التحفة المعمارية والصرح الكبير لبيت المرحوم الحاج علي بن عبداللطيف فاضل على كورنيش مطرح والذي تم بناءه في عام ١٩٤٦م. هذا المنزل المسمى “ببيت العود” تم تصميمه بشكل هندسي مرموق، حيث يحتوي على العديد من المجالس والغرف والصالات المفتوحة منذ أن تم بناءه بشكل فريد بمدينة مطرح التاريخية. اليوم أعيد ترميم وتأهيل جزء من هذا البيت الكبير بعد أن ظل شبه فارغ لعدة سنوات مضت، ليصبح اليوم صرحاً جديداً في هذه المدينة العريقة التي تتميز بقلاعها وجبالها وشواطئها الجميلة ورمالها الناعمة التي اختفت معظمها بعد إنشاء الطريق البحري”كورنيش مطرح” الذي بدأ العمل به عام ١٩٦٩م.
“البيت العود” الذي تعرفنا على تسميته منذ الصغر يشرف على ترميمه اليوم الزميل رضا بن علي عبداللطيف الشاعر والكاتب المسرحي، وهو أحد ابناء المرحوم الحاج علي عبداللطيف الذي كان في استقبالنا اليوم بمعية أخيه المكرم محمود عبداللطيف. جولتنا في هذا الصرح شملت المجالس الراقية والمقتنيات الأثرية ومكتبة تضم مجموعة من الكتب الخاصة بالمرحوم الحاج علي، وكذلك بعض الرسائل المتبادلة بين المرحوم السلطان سعيد بن تيمور – رحمه الله- وبين الحاج على وأبناءه، وكذلك بعض الصور التذكارية للمناسبات السياسية والاجتماعية للمرحوم الحاج مع مسؤولي الحكومة العمانية وممثلي الدول الأجنبية والشركات التي كانت تتعامل مع شركة باقر عبداللطيف للملاحة البحرية.
مجموعتنا اليوم في هذه الزيارة شملت عدة شخصيات لها باع طويل في متابعة الأحداث التاريخية والكتابة والصحافة وغيرها ممن يذكرون تاريخ هذا البيت وأفراد الأسرة الذين عاشوا فيه خلال الأعوام الثمانين الماضية. ابناء المرحوم الحاج علي ماضين في خطتهم لترميم وتأهيل الجزء الثاني من هذا البيت العريق الذي يأمل الكثير بأن يتحول إلى أكبر متحف بهذه المدينة خلال السنوات المقبلة.
هذا الصرح يطل على الواجهة البحرية لمدينة مطرح، حيث يمكن للمرء رؤية مطرح حتى الطريق المؤدي إلى مسقط القديمة مروراً بسوق السمك والمدرسة السعيدية وسور اللواتيه إلى قلاع مطرح التاريخية. كما يشرف البيت على عدد من البيوت القائمة على الواجهة البحرية ومسجد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومساجد أخرى على الساحل ومنطقة “اربق” والجبال الملاصقة للبحر، وبعض المقاهي والمخابز والمطاعم والمحلات التجارية الكائنة على شاطيء مطرح.
لقد شرّف المرحوم السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله عند بعض زياراته لمدينة مطرح هذا الصرح “البيت العود” عند وصوله الميمون عبر الطريق البحري. كما زاره بعض الشخصيات الخليجية والعربية والاجنبية. ووفق حديث الأخ رضا عبد اللطيف فإن هذا البيت العريق وإعادة تأهيله يتم على نفقة أبناء الحاج علي الأحياء وبعض أحفاده، وبعطاء كريم خاص أوصى به أخيهم الأكبر المرحوم حسن الحاج علي “أبو ياسين”. والبيت سيفتح لأبناء مطرح وكل المهتمين ليتعرفوا عليه كأحد البيوت القديمة في المنطقة خلال الفترة القادمة.
إن مطرح العريقة وما فيها من البيوت والمنازل والأسواق والحارات والقلاع وغيرها تعّد أرثا كبيراً وتحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام خاصة من الأجيال الحالية. فهذه المدنية تحمل ذكريات عديدة خاصة لأبناءها الذي ترعرعوا على ترابها، وتنقلوا بين حاراتها، ولعبوا على ساحلها الجميل، وغاصوا في أعماق بحرها الهادي. فكل ما بقي في مطرح مترسخ في وجدان أبناءها الذين ما زال بعضهم يقومون بزيارتها بين فترة وأخرى. فهذه المدينة ستبقى خالدة في ذاكرتهم إلى الأبد.
لقد شاهدت هذا المنزل في نهاية الستينيات وبداية السعبينيات من القرن الماضي بصحبة حفيد الحاج علي وزميل الطفولة الاخ ياسين بن حسن علي الذي كان يصطحبني بعد خروجنا من المدرسة السعيدية بمطرح لنلعب تنس الطاولة “بينغ بونغ”. ذكريات جميلة اعيدت إلى أذهاني وأنا كنت أدخل اليوم إلى هذا الصرح العريق.
ملاحظة الصور: تشمل المجالس والصالات والتحف الأثرية والمكتبة.






























